
محمد الرجوب: [موسيقى] شباب اليوم، لدينا حلقة جديدة، حلقة فريدة من نوعها صراحةً. نحن دائماً تفكيرنا يتجه يعني بالمواضيع الاقتصادية أو السياسية أو المواضيع العامة كما نقول دائماً، ولكن اليوم لدينا حلقة خرجنا بها خارج الصندوق، خارج الصندوق حرفيًا، We are out of the box. اليوم لدينا حلقة عن الفضاء، غريب، صحيح؟ ولكن عندما نتحدث عن الفضاء هذه المرة، فهو ليس فضاءً يعني من دولة أجنبية أو دولة عربية أخرى، نحن اليوم نتحدث عن الأردن. الأردن صممت أول قمر صناعي مكعب (كيوبسات) لها من خلال فريق شبابي بحت بالكامل، واليوم معنا رئيس الفريق، وهو الدكتور فراس. أهلاً وسهلاً دكتور، شرّفتنا.
د. فراس الجرار: أهلاً بك يا محمد، ونحن تشرفنا أيضاً، وهو لا يجب أن يكون غريباً بالنسبة لك، فأنت من نوابغ الفضاء العرب.
محمد الرجوب: أسعدك الله دكتور، ولكن أنتم، كيف جاءتكم الفكرة؟ هذا الكيوبسات، لماذا اخترتم الكيوبسات أولاً؟ ومن أين جاءكم اسم (ريم)؟
د. فراس الجرار: آه، لماذا اخترنا الكيوبسات أو لماذا، يمكن بالتأكيد أن المستمعين يرغبون في معرفة ما يعني كيوبسات. طبعاً، لأقرب الفكرة لهم، هو قمر صناعي صغير، وهذا القمر الصناعي يأتي ضمن حجم وشكل محدد، وأصغر شيء هو ما يسمى بالوحدة الواحدة (1U). فيأتي حجمه على شكل مكعب، بحيث يكون قياسه 10 سم في 10 سم في 10 سم. هذا هو الكيوبسات. ثم تأتي بعد ذلك أشكال وأحجام أكبر، فلدينا 2U، 3U، حتى 24U.
محمد الرجوب: كل واحد فيهم هذا ضمن الكيوبسات طبعاً؟
د. فراس الجرار: طبعاً، كل هذا يندرج ضمن ما يسمى بالكيوبسات، وهو القمر الصناعي المصغّر، نعم. أما الأقمار الصناعية التقليدية (Conventional Satellites) فهي مختلفة لأن حجمها يكون كبيراً، كحجم حافلة مثلاً، ونتحدث عن أوزان تصل، نتحدث نحن يعني، إلى 1000 كيلوغرام، بل وبالطن وأكثر. أما الكيوبسات، فأصغر واحد يزن حوالي 2 كيلوغرام، فيعني أنت ترى كيف الفرق. قد تستغرب وتقول، لماذا؟ ما الذي جعلنا نصل إلى 2 كيلوغرام ونتحدث عن 10 سم في 10 سم في 10 سم؟ نعم، هو التطور الكبير الذي حدث لدينا في الإلكترونيات. الجميع يرى هذا الهاتف المحمول، هاتفه المحمول عبارة عن تلفاز يشاهد عليه الشباب المسلسلات، صحيح؟
محمد الرجوب: طبعاً، معظم التلفزيونات حالياً أصلاً من يشاهدها؟ لنكن صادقين، إلا إذا أردنا أن نفتح يوتيوب أو أي منصة أخرى. الهاتف المحمول إطلاقاً، بالضبط، مئة بالمئة.
د. فراس الجرار: فهو الهاتف المحمول تلفزيون، وهو راديو تستمع عليه لإذاعة “العين FM” وغيرها من القنوات، صحيح؟ وهو آلة حاسبة، وهو عبارة عن جهاز تنفذ عليه تطبيقات الحاسوب، يعني تدخل وتكتب رسائل، مئة بالمئة. فتخيل، إذا كانت هذه الفكرة أقرب إلى واقع الجميع، كيف أن التكنولوجيا أصبحت مصغّرة، فالكيوبسات سار في الاتجاه نفسه. لكن أود أن أضيف عليه شيئاً، أنه ليس فقط الحجم أصبح أصغر، بل اعتمد أيضاً على توجه جديد وتطور ما يسمى بالتصميم النمطي (Modular Design). التصميم النمطي هو أقرب إلى التقييس (Standardization)، يعني أنني أصنّع قطعاً يمكن استخدامها في أكثر من تطبيق ولأكثر من كيوبسات.
محمد الرجوب: في أكثر من مهمة تستخدم نفس القطعة.
د. فراس الجرار: آه، يمكن تقبلها بشكل أسهل، بشكل سلس أكثر مع الواقع الذي نحن فيه حالياً.
محمد الرجوب: بالضبط.
د. فراس الجرار: فهذا ما الذي سببه لي؟ أصبح الكيوبسات أقل تكلفة. نعم. وأصبح ما يسمى بدورة التطوير (Development Cycle)، الوقت اللازم لتطوير الكيوبسات، هو من سنة إلى سنتين تقريباً. أما الأقمار الصناعية التقليدية، فأنت تتحدث عن،
محمد الرجوب: إطلاق بالضبط.
د. فراس الجرار: من خمس إلى سبع سنوات، وقد تصل إلى عشر سنوات. فكل هذه الأمور جعلتنا نتوجه إلى الكيوبسات. فكان لا بد عندما دخلنا مجال الأقمار الصناعية أن يكون ككيوبسات. نحن لسنا أول من أطلق قمراً صناعياً في الأردن، فأول قمر صناعي كان (JY1-SAT)، لكننا ربما أول قمر صناعي أردني يحصل على دعم من الأمم المتحدة، من مكتب الأمم المتحدة لشؤون الفضاء الخارجي.
محمد الرجوب: بالضبط.
د. فراس الجرار: لكنني حتى الآن لم أجبك عن (ريمسات)، ولماذا هذا الاسم.
محمد الرجوب: صحيح، كنت سأسألك. صحيح دكتور، الآن أنتم كمشروع طلابي بحت، صحيح؟ نتحدث عن طلاب جامعيين.
د. فراس الجرار: مئة بالمئة، طلاب إطلاقاً، صحيح، مئة بالمئة.
محمد الرجوب: يعني نحن هنا نتحدث عن قمر صناعي بقيادة الطلاب (student-led satellite) يمكن أن يصل إلى هذه المرحلة. بالضبط، هذا شيء لم نره كثيراً صراحةً في المرات الماضية. مثلاً، كان هناك الكثير من المختصين.
د. فراس الجرار: صحيح، هي من عمليات كسر الحواجز كما نسميها، وما كانت متاحة في أيامي، يعني عندما كنا في أجيالنا، فكرة أن تصنع شيئاً له علاقة بالفضاء كانت تعتبر خيالاً علمياً. لكن الآن، الفرصة متاحة للشباب وهي فرصة رائعة، جزء منها بسبب الكيوبسات، وجزء منها أيضاً بسبب وجود الكثير من المصادر المفتوحة (Open Resources) الآن، وهناك دعم موجود الحمد لله الآن في الأردن، سواء كان من خلال الجامعة، جامعة الحسين التقنية، التي وفرت هذا الدعم للطلاب ووفرت لهم البيئة الجامعية. والطلاب المشاركون في المشروع ليسوا فقط من جامعة الحسين التقنية.
محمد الرجوب: آه، من جامعات أخرى مثل الجامعة الهاشمية، رأيت، ومثل جامعة العلوم والتكنولوجيا الأردنية، نعم.
د. فراس الجرار: نعم.
محمد الرجوب: دكتور، ما هي الصعوبات التي تواجهكم أحياناً؟ أو ما هي أكثر لحظة شعرتم فيها، كيف أقول، بالضغط (Stressed) قليلاً؟
د. فراس الجرار: آه، كانت بانتظار نتيجة الفرصة (Opportunity)، فرصة الإطلاق المجانية (Free Launch) التي حصلنا عليها من مكتب الأمم المتحدة لشؤون الفضاء الخارجي (UNOOSA). لأنني سأخبرك، لأنه على الرغم من أن التكلفة تعتبر قليلة للكيوبسات مقارنة بالأقمار الصناعية التقليدية، لكن إطلاق القمر الصناعي مكلف، إطلاق القمر الصناعي حتى لو كان كيوبسات. فنحن بدأنا منذ أكثر من سنة ونصف، ونقترب من السنتين، ونحن نعمل على التصميم، نجتمع بشكل أسبوعي، أعطي محاضرات للطلاب، نستمع لبعضنا البعض. ولم نتقدم لأي طلب دعم قبل أن نحصل، يعني لجهات داخلية، قبل أن نحصل على دعم الأمم المتحدة. نحن نعلم أننا عندما ندخل على أي مؤسسة أو حتى على جامعتي، نعم، نريد أن ندخل ونقول لهم: لقد حصلنا على دعم من الأمم المتحدة، وهو يغطي تكلفة عالية جداً، وهذه الفرصة مجانية الآن، وبالتالي نحن بحاجة للجزء المتبقي البسيط لتدعمونا به.
محمد الرجوب: الآن الكيوبسات، عندما يطلقونها إلى الفضاء، نحن نتحدث أنهم لا يطلقونها واحدة تلو الأخرى، يمكننا القول أنهم يطلقونها كمجموعة، Multiple CubeSats together.
د. فراس الجرار: صحيح.
محمد الرجوب: الآن أنتم ضمن مجموعة، صحيح؟ ستكونون ضمن مجموعة إن شاء الله. متى موعدها إن شاء الله؟
د. فراس الجرار: المقرر حالياً أن يكون الإطلاق في أواخر عام 2026 أو بداية عام 2027. نحن نرغب في التقيد بهذا الموعد، 2026. ستكون الجامعة قد… يعني الذكرى العاشرة لتأسيس جامعة الحسين عام 2016. فإن شاء الله هذه من الأهداف، إن شاء الله تعالى.
محمد الرجوب: دكتور، لنعد إلى الموضوع قليلاً. (ريم)، اخترتم اسم (ريم).
د. فراس الجرار: تماماً. حسناً، الهدف الأساسي الذي كنت أسعى إليه هو تدريب الطلاب وتعليمهم تكنولوجيا الأقمار الصناعية، وبالذات الكيوبسات. كيف يصممون القمر الصناعي، وكيف يبنونه، وكيف يشغلونه وهو في المدار، كيف يتواصلون معه، كل هذه الأمور. الآن، ولكن كأي قمر صناعي، أنت بحاجة إلى مهمة، يعني لا بد من مهمة فضائية (Space Mission)، نعم. فجاءت فكرة تتبع الحيوانات المهددة بالانقراض، نعم. وقد جاءت هذه المبادرة في الحقيقة من الطالبة ديانا الجبور. ديانا جاءتني، هي من جامعة العلوم والتكنولوجيا، جاءتني تقريباً في بدايات الفكرة، وكانت قد نشرت بحثاً في أحد المؤتمرات، وهو مؤتمر (IAC) في عام 2023، بحثاً مختصراً عن كيف يمكننا استخدام الفكرة، واستخدام الكيوبسات لتتبع الحيوانات المهددة بالانقراض في الأردن. طبعاً، تتبع الحيوانات المهددة بالانقراض يتم منذ السبعينات والثمانينات باستخدام الأقمار الصناعية، لكن أن نطبقها في الأردن، فهذا شيء مهم، وقد أخذناها كفكرة لتكون هي مهمة المشروع التي نطبقها ونقدمها. هي مهمة بيئية، يعني نتوجه نحو الجانب البيئي.
محمد الرجوب: نعم، absolutely.
د. فراس الجرار: هي بالنسبة لنا تعتبر مهمة وقضية وطنية، نعم. وعندما راجعنا الأمر أيضاً مع الجمعية الملكية لحماية الطبيعة واطلعنا على التقارير، نعم، نحن اجتمعنا معهم عدة اجتماعات، اكتشفنا أنه فعلياً، هل تعلم أنه كان هناك ستة حيوانات قد انقرضت فعلياً في الأردن؟ مثل المها العربي، نعم، والنمر العربي. فعندما تأتي إلى بقية الحيوانات المهددة بالانقراض الآن، تجد في مقدمتها غزال الريم. فقلنا: إذاً، هو (ريمسات).
محمد الرجوب: هو الأساس، هو الذي نريده نحن. نعم، نعم، مئة بالمئة. الآن، بعض الناس، أنا أعرف أنهم يستأجرون أقماراً صناعية، نعم، آه، لكي يراقبوا مزارعهم أو أراضيهم من القمر الصناعي نفسه، بدلاً من أن يذهب ويصور وما إلى ذلك، يأخذ قمراً صناعياً يستأجره ويستطيع أن يأخذ صورة كاملة، سواء كانت HD أو ليست HD، لا يهم، المهم في القصة أنها تظهر لك حجم الأرض مباشرةً. نحن نتحدث عن مساحات تتجاوز الهكتارات، نتحدث هنا عن مئات الدونمات وآلاف الدونمات أيضاً إذا أردنا الوصول إلى ذلك. هل للكيوبسات هذا، “ريم”، علاقة بهذه الأشياء أم أنه سيكون مخصصاً فقط لبعض المحميات في الأردن؟
د. فراس الجرار: لا، هو مخصص لهذا التطبيق. الآن بالتأكيد، انظر، حتى الجمعية الملكية لحماية الطبيعة، هم لديهم هذه الأنشطة (Activities) بالفعل، هم يتتبعون الحيوانات بطرق معينة، هناك طرق مختلفة، منها طرق أرضية لا تتعلق بالفضاء، ومنها أيضاً من التطبيقات الفضائية عبر الاشتراك ببعض خدمات التكنولوجيا الفضائية والأقمار الصناعية الموجودة في المدار. لكن هدفنا الأساسي فعلياً، والأهم من ذلك، هو توطين التكنولوجيا. يعني، نريد أن يكون لدينا نواة لتكنولوجيا الفضاء من طلابنا، وهذا هو الأساس الذي نريده فعلياً. فهذا لا يمكن أن يتم باستخدام خدمات وأشياء متوفرة، لا، بل يجب عليك أن تبني التكنولوجيا داخلياً.
محمد الرجوب: نضع حجر الأساس، يمكننا القول، أو نضع اللبنة الأولى (First Block) لكي نبدأ، أو حتى نسرّع قليلاً بناء تكنولوجيا الفضاء لدينا في الأردن.
د. فراس الجرار: نعم.
محمد الرجوب: لأنه حتى لو، يعني لو فكرنا قليلاً بالموضوع، انظر، نحن الآن لدينا ركود في التخصصات أو ركود في الجوانب العملية الموجودة لدينا حالياً. الفضاء سيكون فرصة جديدة للشباب، سواء عملياً أو حتى، يمكننا القول، فرصة جديدة لهم لاكتشاف شيء جديد.
د. فراس الجرار: أتفق معك مئة بالمئة. أنت تعرف الفرص التي تتاح للشباب وتتاح للبلد بدخول هذا المجال، فتطبيقاتها مهمة جداً استراتيجياً للبلد. حتى من الناحية الاقتصادية، أنت تتحدث عن ما يسمى بالقيمة (Value)… القيمة الكاملة لتطبيقات الكيوبسات والأقمار الصناعية تصل إلى 600 مليار دولار في السنة، وهي في تزايد بشكل كبير جداً. من الواضح أننا ندخل إلى عصر فضاء جديد (New Space Era) أو مرحلة جديدة من عصر الفضاء الثاني، فلابد أن ندخل بقوة في هذا المجال.
محمد الرجوب: طبعاً، يجب أن نقوم بخطوة، يمكننا القول.
د. فراس الجرار: بالضبط. سأخبرك شيئاً، هناك سر أخبرت الطلاب أنني سأكشفه لهم.
محمد الرجوب: آه، فلنستمع إلى السر.
د. فراس الجرار: آه، يعني، قلت لهم، وهم تفاجأوا مثلك هكذا، أنهم يريدون سماع السر. قلت لهم: المشروع ليس غزلان الريم وليس هو (ريمسات).
محمد الرجوب: طيب، ما هو المشروع إذن؟ ما الذي تخفيه عنا دكتور؟ أين هو المشروع؟
د. فراس الجرار: قلت لهم: المشروع هو أنتم. الطلاب هم المشروع الحقيقي، أن يتأهلوا في هذا المجال ويصبحوا هم النواة الحقيقية.
محمد الرجوب: ليصبحوا هم الخطوة الأولى، يمكننا القول.
د. فراس الجرار: يصبحون هم الخطوة الأولى التي تسهل على من بعدهم، بالضبط، وتكون خطوة مستدامة. ما تعلموه والتطبيقات التي أخذوها يقدمونها لمن بعدهم.
محمد الرجوب: طبعاً. ما هي اللحظة التي كانت فيها… يعني أنت وصلت إلى نقطة “واو، هذا ما وصلنا إليه”؟ متى جاءت لحظة الـ “واو” الخاصة بك؟ في (ريمسات) أولاً، ولكن في كل المشاريع الأخرى؟
د. فراس الجرار: والله انظر، لحظات الـ “واو” متواصلة، والله. أنا يعني عندما أرى الطلاب يأتون بشكل أسبوعي ويحضرون اجتماعنا الأسبوعي، تقريباً كل يوم ثلاثاء، نعم، ويأتون من مناطق مختلفة من البلد، من الأردن، والذي هو أصلاً في جامعته ولديه امتحانات وكذا، لكنهم جميعاً مصرون على الحضور كل أسبوع، هذه لحظة “واو” بالنسبة لي. وبالطبع كانت هناك لحظة “واو” عندما سمعنا خبر فوزنا بفرصة الإطلاق من مكتب الأمم المتحدة، كانت تلك رائعة.
محمد الرجوب: من الأمم المتحدة.
د. فراس الجرار: كانت هناك لحظة “واو” أيضاً عندما غرّد سيدي سمو الأمير عن الموضوع، كانت تلك أيضاً لحظة “واو” بالنسبة لنا. كان هناك الكثير من لحظات الـ “واو” الحمد لله رب العالمين. حتى على المستوى الشخصي عندما بدأنا، يعني دخلت في موضوع تكنولوجيا الفضاء، يعني الحمد لله رب العالمين، كانت بشكل مستمر، لأنه حلم يتحقق، والله.
محمد الرجوب: طبعاً، والله هو ليس مجرد حلم، هو أصبح واقعاً. إذا استطعنا أن نعود قليلاً إلى الوراء، يعني أين كنا وأين أصبحنا؟ الأقمار الصناعية التي أطلقناها، لا مؤاخذة، آه، منذ متى بدأنا؟ متى كان أول قمر صناعي للأردن؟
د. فراس الجرار: (JY1-SAT) كان أول قمر صناعي كـ “كيوبسات”، وأُطلق في عام 2018. وهذا إنجاز كبير. والآن نحن نتحدث عن (ريمسات) إن شاء الله. في 30/6، نعم، نحن حصلنا على الإعلان من الأمم المتحدة، والإعلان موجود ونحن فخورون به، وإن شاء الله في أواخر السنة القادمة، يسرّ الله، سيكون لدينا ثاني قمر صناعي في المدار، إن شاء الله.
محمد الرجوب: الآن، ما هي التكنولوجيا التي استخدمتموها في (ريمسات) الكيوبسات؟
د. فراس الجرار: نعم، الآن التكنولوجيا التي نسميها المتعلقة بالحمولة (Payload)، نعم، أو حمولة القمر الصناعي، ستكون عبارة عن وحدة لورا (LoRa Module) التي تستقبل رسائل قادمة من عُقد لورا (LoRa Nodes). سأشرح لك ما هي فكرة الرسائل لكي تصل الفكرة بالضبط، ما الذي أتحدث عنه.
محمد الرجوب: أيوه، لنفهمها.
د. فراس الجرار: الآن، نحن نريد تتبع غزلان الريم، نعم. سأتتبع غزلان الريم من خلال أطواق ذكية. هذه الأطواق ستكون مثبتة على رقبة الغزال، مئة بالمئة. سيكون في الطوق هذا وحدة لاستقبال إشارات نظام تحديد المواقع العالمي (GPS)، نعم، وهي المعلومات الخاصة بتحديد المواقع. سيتم تخزينها في هذه الأطواق. وبعد ذلك، لدي وحدة ثانية لجهاز إرسال لورا (LoRa Transmitter) ستقوم بإرسال هذه المعلومات المتعلقة بموقع الغزال إلى القمر الصناعي (ريمسات) عندما يمر من فوق الغزلان. سيكون له فترات معينة، كلها أجرينا لها تحليلاً مدارياً لنعرف متى سيمر، وعدد المرات، والمدة التي سيمر فيها. فسيتم استقبال هذه المعلومات عبر وصلة صاعدة (Uplink) من الأطواق الذكية إلى قمرنا الصناعي (ريمسات). يتم تخزينها على (ريمسات) مع بعض المعالجة البسيطة. بعد ذلك، خلال مرور (ريمسات) فوق المحطة الأرضية التي ستكون في الأردن، تتم ما يسمى بالوصلة الهابطة (Downlink) لهذه البيانات القياسية (Telemetry) أو المعلومات عن الغزلان، ونستقبلها على المحطة الأرضية، ثم نعالجها، ثم نشاركها مع زملائنا في الجمعية الملكية لحماية الطبيعة لندرس النشاط اليومي والليلي لهذه الغزلان، ونكون أقدر على حمايتها والحفاظ على التنوع البيئي في الأردن. بالتالي، الحمولة على الكيوبسات هي ماذا؟ استقبال إرسال لورا.
محمد الرجوب: يعني لا أدري ماذا أقول لكم صراحةً، يعني شيء جميل جداً، ليس فقط جميلاً، نحن نفتخر بأن يكون لدينا هكذا… أن نكون قد وصلنا إلى هذه الدرجة من التكنولوجيا إذا أردنا أن نتحدث في صناعة الفضاء. لا أدري ماذا أقول لك بالضبط دكتور، ولكن، دكتور، الآن المحطة التي ستستقبل هذه الصور، نعم، أين سيكون موقعها إذا كنت تستطيع أن تخبرنا؟
د. فراس الجرار: طبعاً، آه، بالتأكيد. حالياً، توجد لدى الجمعية الملكية لهواة الراديو في الأردن، نعم، محطة أرضية قادرة على استقبال هذه الرسائل، وهي نفس المحطة التي كانت تستقبل رسائل (JY1-SAT). الآن هناك نية إن شاء الله تعالى أيضاً لبناء محطة أخرى في جامعة الحسين التقنية. وبالطبع سيكون هناك تعاون مع المؤسسات الوطنية مثل الجمعية الملكية لهواة الراديو وهيئة تنظيم قطاع الاتصالات والهيئة الخاصة للاتصالات. ونحن شاكرون لهم، فنحن في تواصل مستمر معهم وقد أبدوا دعمهم ومساندتهم لنا لأبعد الحدود.
محمد الرجوب: هل سيكون لكم مثلاً محطات في المنطقة الجنوبية للأردن، مثل وادي رم؟
د. فراس الجرار: ليس شرطاً أن تكون في الجامعة. ليس شرطاً، لأن الإرسال سيكون بالتأكيد في منطقة المحميات أو حتى في المناطق النائية، سيكون مباشرة من الغزال إلى القمر الصناعي. لكن الوصلة الهابطة (Downlink)، لا، يمكن أن تكون المحطة في أي مكان تريده، ليس مهماً. طبعاً هناك شروط للمنطقة التي يجب أن تكون فيها المحطة، وهذه شروط تقنية أخرى، لكن لا علاقة لها بمواقع الغزلان نفسها.
محمد الرجوب: دكتور، ماذا تتوقع أن يمنح (ريمسات) للشباب؟ يعني ما هو الدافع الذي سيقدمه لهم الآن بما أننا أنهينا المشروع، يمكننا القول أننا أنهينا معظم المشروع؟ ولكن الشباب الآن، كيف تتوقع أن تصبح فكرتهم عن الفضاء؟
د. فراس الجرار: الآن، كما تحدثنا، كسر الحواجز هو أول شيء. يعني، كان لديهم… بالتأكيد الجميع يسمع عن تقنيات الفضاء ويكون لديه رهبة معينة، طبعاً. الآن، عندما تعرف أنني والشباب عملنا… وعندما يأتي يوم إطلاق القمر الصناعي ويدخل في المدار ويرسل لنا إشارة تسمى المنارة (Beacon) ليقول لنا أنه بخير ويعمل بشكل جيد (I’m okay, functioning very well) وأن كل الأنظمة تعمل بشكل طبيعي (Normal Operation)، ستكون الثقة التي لديهم سترتفع بشكل كبير جداً عندما يحصلون على المعلومات والبيانات من القمر الصناعي. فتخيل الشعور والثقة التي ستكون لدى الطلاب. بصراحة، هذه ليست جديدة، يعني في جامعة الحسين التقنية ليس فقط مشروع (ريمسات)، فلدينا العديد من المشاريع التي نعمل على كسر الحواجز فيها لدى الطلاب، كلها في التكنولوجيا المتقدمة وفي مجالات الروبوتات والفضاء وغيرها. فهذه كلها نعمل على إضافة الثقة لدى الطلاب، سواء في الجامعة أو خارج الجامعة.
محمد الرجوب: دكتور، الآن نتحدث عن الفضاء طبعاً، ما هي التخصصات التي يمكنهم من خلالها دخول مجال الفضاء أو التخصص فيه؟
د. فراس الجرار: نعم، مجال الفضاء هو تطبيق، نعم. وهذا التطبيق له الكثير من الأنشطة الداعمة والفرق المساندة والفرق الرئيسية التي تعمل عليه. فنحن نتحدث سواء عن مهندسين أو الذين يدرسون هندسة الميكانيك، الكهرباء، الطاقة. نتحدث أيضاً عن تكنولوجيا المعلومات (IT)، في الحاسوب، حتى كما قلت أنت في الإعلام، هناك أناس يدرسون الطب، والطب له علاقة بالتخصصات الفضائية، تحدثنا عنها أيضاً من قبل، خاصة في المهمات التي سيكون فيها عنصر بشري، يعني تريد إطلاق أشخاص إلى الفضاء. وكل هذا مرتبط بطبيعة القمر الصناعي أولاً. القمر الصناعي هو نظام ضمن نظام (System of Systems). لديك حاسوب، فيه برمجيات خاصة به.
محمد الرجوب: حتى تخصصات البرمجة، يمكننا القول، هندسة الحاسوب، هندسة البرمجة، حتى يمكننا القول.
د. فراس الجرار: نعم. في الأنظمة… نظام الطاقة الكهربائية (EPS – Electronic Power Supply) الذي هو عبارة عن توفير الطاقة للقمر الصناعي، وهو يعمل على الطاقة الشمسية، وفيه بطارية ونظام خاص لتوزيع الطاقة على الأنظمة الفرعية المختلفة. لديك نظام تحديد وتوجيه الوضعية (ADCS – Attitude Determination and Control System)، كيف توجه القمر الصناعي في أي جهة وهو يتحرك في المدار. لديك أناس من الكهرباء، أناس من الميكانيك يعملون عليه، الأنظمة الهيكلية (Structural Subsystems). لديك أيضاً التحليل المداري الذي يقوم به مهندسو الميكانيك. لديك مفهوم العمليات (Concept of Operations) الذي يتطلب منك أن تتخيل كل السيناريوهات للقمر الصناعي خلال وجوده في المدار. هو نظام غير قابل للصيانة (Non-maintainable system)، يعني أنت أرسلته إلى الفضاء ولن تستطيع إصلاحه. طبعاً. بالتالي، يجب أن تكون قد درست كل الاحتمالات وكيف ستتعامل مع هذا القمر الصناعي في المدار، كل هذا يجب أن تكون قد درسته من قبل. فتخيل عدد الأشخاص الذين سيعملون! فريقنا يضم أكثر من 20 طالباً وطالبة حالياً يعملون على مشروع (ريمسات).
محمد الرجوب: طبعاً، طبعاً. وهذا شيء ليس خاصاً بـ(ريمسات)، كل مشاريع الأقمار الصناعية يجب أن يكون فيها طاقم وعدد كبير من الطلاب الذين يعملون عليها.
د. فراس الجرار: طبعاً.
محمد الرجوب: دكتور، تخصصك هو هندسة الميكانيك، نعم. أخبرنا، ما هي هندسة الميكانيك بالنسبة لك؟ أنا كشخص أفكر في التسجيل في هندسة الميكانيك، ما هي النصائح والحيل (Tips and Tricks) التي تعطينا إياها؟
د. فراس الجرار: عن هندسة الميكانيك. هندسة الميكانيك بالنسبة لي، طبعاً سيزعل مني بعض زملائي في التخصصات الأخرى، لكن بالنسبة لي، هندسة الميكانيك هي الأساس، نعم. حتى عند العرب عندما كانوا يتحدثون عن الهندسة، وهندسة الميكانيك، كانوا يسمونها “علم الحيل”. “علم الحيل”، لماذا؟ لأنك تستخدم الحيلة والذكاء والفطنة لتحقق أهدافاً أو تحل مشكلة ما أو تبلغ غاية معينة بأقل جهد ممكن. فكانوا يسمونه “علم الحيل”. أنت قمت بحيلة، نعم. هذه هي هندسة الميكانيك، سواء تطبيقها في الطيران، في الفضاء، في عالم السيارات، في كل المجالات. أي شيء فيه آلة، أنت بحاجة إلى مهندس ميكانيك.
محمد الرجوب: وكل شيء آلة في النهاية من حولنا.
د. فراس الجرار: طبعاً، نعم.
محمد الرجوب: هندسة الميكانيك يعني شاملة لكل شيء، يمكننا القول، أو أنك تتخصص كما تريد لاحقاً.
د. فراس الجرار: طبعاً.
محمد الرجوب: آه، مثلاً، هل يمكن للشخص أن يتخصص، لكي نفيد الشباب، طبعاً، آه، بعد أن ينهي بكالوريوس هندسة الميكانيك، هل يستطيع أن يدرس ماجستير في هندسة الفضاء (Aerospace Engineering)؟
د. فراس الجرار: هي أصلاً، إذا نظرنا إلى التخصصات في جامعاتنا أو حتى في الجامعات خارج الأردن، إذا أنهيت بكالوريوس في هندسة الطيران والفضاء أو بكالوريوس في هندسة الميكانيك، يمكنك أن تكمل في هندسة الطيران والفضاء، نعم. هذا الشيء موجود. ولكن، هل تتوقع في جامعاتنا، لم ينزلوا بعد تخصص هندسة الطيران والفضاء؟
محمد الرجوب: نعم، آه، هناك هندسة الطيران (Aeronautical Engineering)، ولكن هندسة الفضاء (Aerospace) لم تنزل. هل تتوقع أن ذلك سيحدث في المستقبل القريب أو البعيد؟
د. فراس الجرار: نعم.
محمد الرجوب: هل سيصبح لدينا هذا التخصص؟
د. فراس الجرار: حسناً، انظر، الآن كجزء من الفضاء في هندسة الطيران والفضاء، هو غير موجود كتخصص، ولا في أي من الجامعات، يعني لا توجد جامعة تدرس تخصصاً يتخرج منه مهندس فضاء. لكن نحن في جامعة الحسين التقنية، نحن أول جامعة في الأردن حسب معلوماتي، نعم، لدينا مادة اسمها “أنظمة وتصميم المركبات الفضائية” (Spacecraft Systems and Design). هي تحليل وتصميم المركبات الفضائية، وهي مادة اختيارية للطلاب وأنا أدرسها في الجامعة. فهي تأتي ضمن تخصص الميكانيك، لكن كثيراً من الأحيان يأخذها لدي طلاب من تخصصات الهندسة الكهربائية وهندسة الطاقة. فيعني، كما تفضلت، يمكن بعد أن ينهي البكالوريوس ويهتم بهذا المجال، أن يدخل ويدرس أكثر تعمقاً، سواء هندسة الفضاء أو غير هندسة الفضاء. أو حتى لو لم يحصل على الماجستير، يمكن، مثل قصتي أنا. يعني، دعني أخبرك، بما أننا في مجال القصص، مثلاً، أنا لدي شغف بالفضاء والتكنولوجيا المتقدمة والفلك منذ أن كنت صغيراً، ولا أستطيع أن أتذكر بالضبط أي لحظة بدأ فيها هذا الشغف لدي. نفس الشيء، بدأت أفكر أين يدرسون الفضاء، لم أجد مكاناً. فبحثت وبحثت ووجدت أن هندسة الميكانيك هي أقرب شيء، وهذا ما حدث معي. لكن خلال مسيرتي، أصبحت أي شيء أدرسه، أي مادة، أي رسالة أعمل عليها، أبحث عن الجزء منها الذي له تطبيق في الفضاء، له علاقة بالفضاء لأكمل عليه، بالضبط، لكي أشعر بالاستمتاع، أنه نعم، أنا أدرس شيئاً له علاقة بالفضاء. فوجدت ذلك سواء في المواد التي كنت أدرسها، سواء في مشروع التخرج في البكالوريوس، في رسالتي في الماجستير، في الدكتوراه. حتى تستغرب، وأنا قلت هذا أكثر من مرة أمام الطلاب، أول عمل لي كان في مصفاة البترول.
محمد الرجوب: مصفاة البترول! يترك مصفاة البترول ويذهب ليكمل…
د. فراس الجرار: هي هذه الفكرة التي تأتيك. لا، ليس فقط هكذا، بل يأتي ويقول لك: مصفاة البترول أين والفضاء أين؟ أنت في شيء عكس الفضاء، أنت تتعامل مع شيء عكس الفضاء. آه، لكن تستغرب أنني كنت سعيداً جداً، وكنت أربط كل شيء أفعله في حياتي بشيء ما لأستمتع به. فكنت أرى مصفاة البترول شبيهة (بالمنشآت الفضائية) لوجود المنشآت الكبيرة والضخمة فيها، أنت تتحدث عن مفاعلات (Reactors) وأوعية ضغط (Pressure Vessels) وسخانات (Heaters) ومنشآت ضخمة، على طول كانت تذكرني بالمنشآت، الموانئ الفضائية (Spaceports) ومحطات إطلاق الصواريخ الفضائية. فأذهب إلى مصفاة البترول وأشعر وكأنني أداوم في مكان له علاقة بالفضاء. طبعاً. فدائماً أقول للشباب: انظر، أينما كنت موجوداً، احتفظ بهذا الأمل. دائماً ابحث عن الجزء الإيجابي. لا ينفع أنك، كما تعلم، فشلت مرة وتستسلم. لا، دائماً، هذه قدرة على السيطرة، أن تجد في عقلك الجزء المشرق من أي شيء تقوم به، ودائماً يكون لديك أمل. وهكذا سارت الأمور، ومشيت في الحياة. حصلت على الدكتوراه، نفس الشيء، في هندسة الميكانيك، لكنني وجدت التطبيقات التي في الفضاء. حتى تيسر لي في جامعة خليفة أن أكون جزءاً من مختبر الياه سات (Yasat) في بدايات إنشائه. انضممت إليهم، والآن وجدت الفرصة لأطبق شغفي والمعلومات التي لدي مباشرة في مجال الفضاء، وانتهى الموضوع. حتى أنني أشرفت على ثلاثة أقمار صناعية مكعبة، وأصبحت أنا المسؤول، مدير المختبر هناك، والمسؤول عن البرنامج التعليمي. كان لدينا برنامج تركيز في الفضاء (Space Concentration Program) لطلاب الماجستير، تخرج منه أكثر من 50 طالباً وطالبة. فيعني، أتيحت لي هذه الفرصة، الحمد لله، لأدخل مباشرة ويتحقق حلمي. كيف وصلنا إلى هنا؟ لا أعرف، نحن انتقلنا من موضوع لآخر، لكن فقط لأوصل فكرة أنه دائماً يجب أن يكون هناك أمل، ودائماً الفرصة متاحة، وهذا ما حدث لي، فأصبحت مسؤولية عليَّ، طبعاً، الآن عندما عدت إلى الأردن، ونقلتها للطلاب. وأنا سعيد جداً بوجود طلاب متميزين جداً، وهم أيضاً لديهم نفس الشغف، ويعني أنت تستغرب إلى أي درجة لديهم هذا الاهتمام وهذه الطاقة، طاقة هائلة.
محمد الرجوب: لنحكي عن الشباب الآن، صحيح؟ بما أننا دخلنا في سيرة الشباب، الطاقة التي لديهم، عقلية الشباب (Youth Mindset)، لنتحدث عنها. عقلية الشباب الأردني، صراحةً، طموحة جداً، وهذا ما أراه من نفسي ومن أصحابي ومن حولي جميعاً. لدينا طموحات كثيرة جداً، ولكن مثلاً تكون لدينا مشكلة في كيفية الوصول إلى ما نريده. آه، مثلاً (ريمسات)، آه، كيف مثلاً نصل إلى مشروع مثله؟ أو مثلاً في المستقبل القريب أو البعيد، كيف نشارك في مشاريع مثل (ريمسات) أو أي قمر صناعي مكعب، أو حتى نصل لاحقاً إلى الأقمار الصناعية الكبيرة؟
د. فراس الجرار: تماماً. أولاً، ألا يصابوا بالإحباط لأي شيء، أن يتعلقوا بالأمل، يعني دائماً يظل لديهم أمل، دائماً يكونوا متفائلين. القراءة، يعني لا بديل عن القراءة والاجتهاد. يجب أن يتعبوا على أنفسهم. هناك الكثير من المهارات التي يجب أن يتعلموها، خاصة للمهتمين بمجال الفضاء. بعد ذلك، الفضاء مجال متعدد التخصصات (Multi-disciplinary)، لا ينفع أن يقول: “أنا والله أعرف فقط هندسة الميكانيك، لا أريد أن أتعلم في الكهرباء، لا أريد أن أتعلم في مجال آخر مثل الحاسوب المدمج (On-Board Computer)”. لا، يجب أن تدخل ويكون لديك اتساع في المعرفة (Breadth) لتتعلم في مجالات كثيرة. بالعكس، هذا شيء ممتع، شيء ممتع جداً. فيجب أن يتعب على نفسه كل من يدخل في هذا المجال.
محمد الرجوب: هل تتوقع قريباً إن شاء الله أن يكون هناك أي مشاريع أخرى مثل (ريمسات)؟
د. فراس الجرار: (ريمسات) ليس المشروع الفضائي الوحيد الذي أشرف عليه في الجامعة على فكرة. هناك مشروع ثانٍ لطلاب في مشروع تخرجهم، عملوا على “بروجكت وسات” (Project Wsat). وهو عبارة عن كيوبسات تعليمي (Educational CubeSat). الآن انظر، (ريمسات)، نعم، هو أكثر توجهاً للتصميم والتطبيق (Design/Application)، شيء تريده منخفض المخاطر (Low Risk) لتستفيد من فرصة الإطلاق. طبعاً. “بروجكت وسات” يأتي من منحى مختلف كلياً، وهو أننا نريد بناء مكوناتنا الخاصة (To build our own components). طلاب بنوا كيوبسات من الصفر (from scratch). بنوا نظام تحديد وتوجيه الوضعية (ADCS)…
محمد الرجوب: يعني هكذا نحن نتحدث أنهم عادوا إلى المكونات الأصلية، لنقل أنهم عادوا إلى الحديد مثلاً والمعدن والأشياء التي يستخدمونها لبناء هذا الشيء. نحن لا نتحدث هنا أننا نأخذ قطعاً ونركبها.
د. فراس الجرار: مستوى مختلف، مستوى مختلف.
محمد الرجوب: شيء يعني، نحكي أنه كثير، بقدر ما هو الموضوع معقد قليلاً، لا ليس معقداً قليلاً، هو معقد جداً بالنسبة لشخص ليس لديه أساسيات ذلك.
د. فراس الجرار: وبسبب هذا التعقيد والإنجاز، فازوا في المهرجان الوطني الأردني للتكنولوجيا (NTP) الذي أقيم هذه السنة، وحصلوا على المركز الأول في فئة تكنولوجيا الدفاع في الأردن. لأنه كان شيئاً صراحةً، هم مبدعون، ما حققوه حتى أنا لم أتوقعه، أن يصلوا إلى هذه المرحلة.
محمد الرجوب: (IEEE)، ما صلتكم بها؟
د. فراس الجرار: حسناً، كصلة، أولاً من خلال الجامعة. في الجامعة لدينا فرع لـ (IEEE) من الطلاب، ونشاطاتهم تشارك سواء في تنظيمهم للمهرجان الوطني للتكنولوجيا الذي أقيم هذه السنة في الجامعة، بالإضافة إلى المشاريع التي يعملون عليها. حالياً، هم ليسوا منخرطين مباشرة في مشاريع الفضاء التي معي، لكن هناك مشاريع أخرى تحدث في الجامعة، خاصة المتعلقة بالروبوتات، هم منخرطون جداً فيها ويأخذون المبادرة.
محمد الرجوب: جانب الروبوتات له، يعني نحكي، شيء في صناعة الفضاء لما يحدث لديكم في الجامعة، أو حتى ليس ما يحدث لديكم في الجامعة، نحكي بشكل عام، جانب الروبوتات؟
د. فراس الجرار: حسناً، في جانب الروبوتات، أنا لدي فريق ثانٍ الآن، لكن هذه كنت قد أبقيتها مفاجأة للسنة القادمة، لكن لدي فريق يعمل على روبوت رباعي الأرجل (Quadruped Robot)، نعم.
محمد الرجوب: هذه هي، سمعتم المفاجأة من هنا.
د. فراس الجرار: يعني هو صراحةً، نحن نحب دائماً أن نجعل عامل الـ “واو” (Wow Factor) يأتي بعد انتهاء الشيء.
محمد الرجوب: هو هذا عامل الـ “واو” الذي يجعلنا دائماً نتساءل: كيف وصلنا إلى هنا؟ وفجأة نجد أنفسنا قد وصلنا.
د. فراس الجرار: ولكن يعني، كمعلومة للمشاهدين الذين يتابعوننا، أن لدينا فريقاً يعمل على روبوت رباعي الأرجل، وهو روبوت كلب. وهذا أيضاً معقد، يعني عندما يكون لديه أربع أرجل وكيف سيتحرك ويناور وإلى آخره، وتوازنه ليس سهلاً. فهذه إحدى المشاريع.
محمد الرجوب: مصدر الطاقة الخاص به، هل حددتموه أم لا زلتم؟
د. فراس الجرار: التي هي، عفوًا؟
محمد الرجوب: مصدر الطاقة الخاص به.
د. فراس الجرار: آه، لا، هو سيكون به بطاريات، يعني بطاريات ليثيوم أيون (Lithium-ion batteries). نعم.
محمد الرجوب: يعطيك العافية.
د. فراس الجرار: الله يعافيك يا رب.
محمد الرجوب: الآن نحن كشباب، أصبح لدينا فكر جديد، وأصبح الفضاء لم يعد… يعني كان لدينا أولاً أن السماء هي حدودنا، نتحدث عن الطائرات من بداية القرن العشرين، كانت البداية هنا مع الطائرات، لكن الآن وصلنا إلى الفضاء. الآن، كوكالات فضاء عالمية، هل تتوقع في الأردن أنه يمكن أن تصبح لدينا وكالة فضاء؟
د. فراس الجرار: إن شاء الله، أنا متفائل جداً، وهذا أمر لا بد منه في المستقبل القريب إن شاء الله. العالم يتسارع بشكل كبير جداً، خاصة في مجال الفضاء. هل تعلم مثلاً أن السياحة الفضائية التي كنا نعتقد أنها شيء من الخيال العلمي، نعم، هي الآن واقع نعيشه. الآن هناك أكثر من مؤسسة، “بلو أوريجين” (Blue Origin)، “فيرجن غالاكتيك” (Virgin Galactic)، وغيرهم.
محمد الرجوب: السعر معروف أصلاً، أنت السعر معروف.
د. فراس الجرار: بالضبط، أنت تعرف كم السعر. وهذا السعر اليوم، بعد خمس أو عشر سنوات، ومع زيادة المنافسة بينهم، سينخفض السعر.
محمد الرجوب: لكي يكون لديكم علم، سياحة الفضاء هي أن تطلع إلى مدار الفضاء، نعم، وأن تظل لمدة، أتوقع ساعة أو ساعتين، حسب ما تدفعه تحصل عليه، يمكننا القول هكذا.
د. فراس الجرار: آه.
محمد الرجوب: فنعود مرة أخرى إلى وكالات الفضاء. الدعم الذي يأتي للأردن، هل هو من مؤسسة معينة للفضاء أم حالياً لا يوجد دعم، يمكننا القول، أو حتى مستثمرون في الفضاء حالياً في الأردن؟
د. فراس الجرار: ما يحدث في مجال الفضاء، ومن خبرتي، أنه عندما تدخل الدولة وتبدأ خطواتها الأولى في الفضاء، ويصبح لديها قانون للفضاء ومبادرات، فإن الفرص ستأتي، وتأتي بصور مختلفة. الكثير من المهمات الفضائية هي مهمات دولية، نعم، بمعنى أنها تشارك فيها دول مختلفة. فالذي سيحدث هو أنهم سينظرون إلى الأردن، بماذا تتميز، ما هي المجالات التي هي أشطر فيها، هل يمكن في الذكاء الاصطناعي، هل يمكن مثلاً في تطبيق معين؟ وسيعطونهم نظاماً فرعياً معيناً لتلك المهمة الفضائية ليعملوا عليه. طبعاً. بالتالي، حتى لو كانت ضمن مهمة كبيرة، سيعطوننا نحن…
محمد الرجوب: بالضبط.
د. فراس الجرار: وهذا حدث مع دول أخرى كثيرة، طبعاً. فهذا ما يحدث. فالآن تصبح هناك احتمالية، في اللحظة التي نقرر فيها الدخول في هذا المجال بقوة، خلال سنة أو سنتين، أن يكون الأردن جزءاً من مهمة فضائية عالمية إلى المريخ.
محمد الرجوب: مثل مهمة المريخ الخاصة بالإمارات، بالضبط، مثل “مسبار الأمل”.
د. فراس الجرار: “مسبار الأمل”، طبعاً.
محمد الرجوب: كان هناك أيضاً من برنامج “نوابغ الفضاء العرب”، يمكننا القول، كان موجوداً وقت “مسبار الأمل”. نعم. الآن، نعود مرة أخرى إلى موضوع الشباب والتعليم في مجال الفضاء. يمكننا القول أنه يجب أن نمزج الفضاء مع التعليم حالياً، نظامنا التعليمي يجب أن تدخل فيه قليلاً من المعلومات عن الفضاء. حتى لو لم نرد أن نتعمق كثيراً حالياً، نبدأ بداية بسيطة بإدخالها في الأنظمة التعليمية، للمدارس الابتدائية والمدارس الثانوية أيضاً.
د. فراس الجرار: شكراً يا محمد، أبدعت، والله إنك أبدعت. ضروري جداً أن تدخل كجزء من مناهجنا المدرسية والجامعية، ليس فقط كمواد متخصصة، بل ضمن المواد الأخرى التي تدرس في الجامعات. لأننا لا يمكننا أن نفصل تكنولوجيا الفضاء عن حياتنا. هناك أناس عادةً يأتون ويعطونك أمثلة على أهمية تكنولوجيا الفضاء في الحياة، وكيف أنها ستحسن الحياة. لا، أنا اليوم أقول لك: تخيل الحياة بدون تكنولوجيا وخدمات الأقمار الصناعية.
محمد الرجوب: صعبة. نعم، الآن أصبحت حتى واي فاي وإنترنت كامل، “ستارلينك” (Starlink)، الذي هو حالياً أقمار صناعية تدور حول الأرض وتعطينا الإنترنت. هذه مجرد فكرة واحدة من الأفكار الكثيرة الموجودة في الفضاء لدينا.
د. فراس الجرار: لهذا السبب يجب أن يكون للفضاء، يعني، نحكي لو يضعون له ركيزة بدائية لكي نبدأ به في نظامنا التعليمي.
محمد الرجوب: أنا أسميها “عيون في السماء”. هذه التكنولوجيا والأقمار الصناعية أسميها “عيون في السماء”، نعم، التي تسمح لك بعمل “زوم أوت”، نعم. تخيل أنك فاتح دفتراً أو كتاباً ومقربه جداً من عينك، بالكاد ترى كلمة، آه. ولكن عندما تعمل “زوم أوت” وتبعده قليلاً، ترى كل الصفحة كاملة. فالأقمار الصناعية هي التي تسمح لك بعمل “زوم أوت” وأخذ نظرة كاملة على الأرض أو على بلدك مثلاً أو على ما يحيط بها، بحيث أنك تتخذ قرارات استراتيجية، سواء كانت في الزراعة، سواء كانت في الاتصالات، في كل هذه التطبيقات الخاصة بالفضاء. فهي شيء أساسي الآن وواقع حقيقي في مجال التقنيات والتكنولوجيا، ولا بد أنها تكون جزءاً عملياً وأساسياً في كل مناهج حياتنا.
د. فراس الجرار: وحياتنا، يجب أن تدخل في حياتنا.
محمد الرجوب: هو التقبل هو البداية. يجب، أنا أتوقع أنه يجب أن تكون البداية هي تقبل الشيء، وبعد ذلك الدخول فيه. آه، مثلما تقبلنا الأمن السيبراني في 2020، نزل التخصص، خلال سنتين كان التخصص ممتلئاً بالكامل. كل الشباب فوراً… لدينا مشكلة نحن، آه، لدينا مشكلة، كلما نرى توجهاً جديداً (trend)، الجميع يهجم عليه، نعم، آه. لكن هذا التوجه، بصراحة، يجب أن نجعله هو توجه الفضاء. لماذا نقول توجه الفضاء؟ لأن المجالات متعددة، ومهما دخل الناس فيه، لا أتوقع أنه سيحدث اكتفاء، صحيح؟
د. فراس الجرار: لأنه تطبيق، وبالتالي الروافد التي تؤدي إليه تأتي من كل التخصصات. فبالتالي، نحن يجب أن نستثمر في هذا التطبيق. بالعكس، أنت قلتها في البداية، وجملة جميلة جداً، أنك تفتح فرصاً أيضاً. طبعاً. فتفتح فرصاً للمتخصصين في كل المجالات. وعودة لموضوع التعليم، أنا لدي شيء أسميه دائماً “التعليم من أجل المستقبل” (Educate for the future). نعم. الآن العلم، وللأسف كثيراً من الأحيان ترى في الجامعات، ليس فقط في الأردن، أنا أتحدث حتى عالمياً، المناهج هي نفس المناهج التي درستها أنا عندما كنت طالباً في الجامعة. أكتشف أنها نفس المناهج التي تدرس.
محمد الرجوب: نفسها تُدرس، لا يوجد شيء جديد، لا توجد تحديثات تنزل.
د. فراس الجرار: آه، آه، أبداً. هذا لا ينفع الآن في زمن التسارع المدهش الذي نحن فيه.
محمد الرجوب: أنت تتحدث عن نمو لوغاريتمي، لم يعد خطياً. نحن نتحدث الآن أن الواحد منا يفتح هاتفه، فوراً يفتح إنستغرام، مقاطع “ريلز”، فيديوهات. من كان يتوقع قبل عشر سنوات، عشر سنوات بالضبط، من كان يتوقع أنه سيصبح لدينا تطبيقات يمكننا من خلالها مشاهدة فيديوهات من ثانية إلى 15 ثانية إلى 30 ثانية، ونظل نشاهد هذه الفيديوهات وهذه الأشياء الجديدة التي تنزل؟ مثلاً، هذا مثال. لكننا لا نتخيل أننا سنصل إلى حد جديد في الفضاء. هذه مشكلة، يجب حلها من خلال التقبل. أنا أتوقع أن التقبل سيكون شيئاً جميلاً جداً، وأيضاً من خلال إصرار الشباب. الشباب هم الركيزة، صدقني. إذا أردنا أن نتحدث عن الركيزة الأساسية لكل شيء وكل موضوع، فهم الشباب، لأنهم جريئون، نعم، ولأنهم، كيف أقول لك، لو جئت لأشرح لأناس أكبر سناً قليلاً أن المستقبل الآن هو الاستفادة من الموارد في الفضاء، سيأخذون الأمر بنوع من الابتسام والضحك. لكن الشباب الجدد…
د. فراس الجرار: الشباب الجدد… عاص…
محمد الرجوب: آسف دكتور على المقاطعة، لكن أنا أحد مشاريعي كان عن الموارد في الفضاء. الروبوت الخاص بي كان عن الموارد في الفضاء وكيف يقوم بأبحاث عنها.
د. فراس الجرار: رأيت؟ ما شاء الله عليك، هؤلاء هم الشباب. للأسف، الجيل المعين، لا يتقبل، الأغلب طبعاً، هناك دائماً أناس متميزون، لكن الكثير من الناس، بالنسبة لهم، خلاص، لا يرون أن هذا شيء عملي. لكن الشباب الصغار يعرفون أن هذا هو المستقبل، وعينك دائماً على المستقبل، وتريد أن تكون مبادراً وتسبق حتى الآخرين في هذا المجال.
محمد الرجوب: طبعاً، مثلما كان على أيامكم مثلاً، الهندسة، خلاص، ما هي الهندسة؟ هي مجال واسع، ولكن خلاص، ندخل هندسة. لماذا ندخل هندسة؟ نحن ضامنون أن المستقبل هو الهندسة، نعم، على أيامكم مثلاً. الآن، في فترة جيل الألفين وما بعده، أصبحت لديهم فكرة الطب، يذهبون إلى الطب، خلاص، هذا شيء مضمون وأنا ضامن ما سيحدث معي لاحقاً. الآن نحن يجب، بصراحة، كان يجب من جيل الألفين، أنا أتوقع، أنه كان يجب أن نجعل الفضاء هو الركيزة الأساسية.
د. فراس الجرار: صحيح.
محمد الرجوب: هذا ما أتوقعه.
د. فراس الجرار: كتطبيق، نعم.
محمد الرجوب: ولكن لم تكن هناك موارد، صراحةً.
د. فراس الجرار: هي هي، طبعاً، دائماً هناك ظروف مختلفة. لكن الآن واضح، وحتى عالمياً، عاد الزخم (Momentum). حتى هو، لأنه جاءت فترة خف فيها الزخم حول موضوع الفضاء، لكن مع، كما قلنا، الكيوبسات… الكيوبسات أول مرة طلعت فكرتها في 1999، نعم. وعندما تنظر إلى الرسم البياني الذي يريك ازدياد عدد الأقمار الصناعية في المدار، نعم، ترى شيئاً مدهشاً، كيف أنه في السنوات القليلة الماضية أصبحنا نطلق في السنة أكثر من 2000 قمر صناعي. فهذا التوجه الجديد أو النمو غير العادي الآن، ليس فقط للأردن، أعطاك فرصة ومؤشراً، لكن حتى لكل العالم، أنه لا، يجب أن نضع هذا كأولوية من أولوياتنا، وهو تكنولوجيا الفضاء.
محمد الرجوب: الآن عن الزخم (Momentum)، صحيح، أنت أتيت على سيرة الزخم. الآن، زخم الشباب، كيف نجعله… مثلاً، أنت قلت أن لديكم مادة يستطيعون اختيارها عن الفضاء، نعم، آه. الآن لو نحن وضعنا هذا الشيء في كل الجامعات، آه، أن يختاروا مادة أو يختاروا مثلاً، حتى ليس مادة، لو أن جزءاً من المادة يكون عن الفضاء، آه، هل سيغير شيئاً لدينا؟ هل سيغير نظرة الشباب عنه؟ وأنا لا أتحدث هنا فقط عن تخصصات الهندسة، أنا أتحدث عن جميع التخصصات، أن يدخلوا مثلاً، حتى الفنون. قد يقول قائل: ما دخل الفنون بالفضاء؟ لا، الفنون مثلاً لو أدخلناهم في رسومات الشكل الخارجي مثلاً، أو أن يساعدوا طلاب هندسة الميكانيك في التصميمات.
د. فراس الجرار: أولاً، سيشكل الوعي. بالتأكيد عندما تكون هذه المادة موجودة في معظم التخصصات والجامعات، فإنها تشكل وعياً لدى الطلاب بأهمية هذا المجال، نعم. وفي نفس الوقت، يشعرهم أنه ليس بعيد المنال (out of reach)، بل هو شيء قريب وممكن. يعني، عندما تبسط المعلومة وتقربها، وإذا ظلت المعلومة غريبة وبالنسبة لك طلاسم، ستظل خائفاً ولن تفكر حتى في الاقتراب منها. لكن الآن، خاصة كما قلت، عندما أرى الطلاب الذين تعاملت معهم، نعم، الآن أصبحوا جريئين. يقول لي: “دكتور، أنا أريد أن أفتح شركة في هذا المجال، أنا أريد أن أقوم بمبادرة أخرى، أنا أريد أن أفعل شيئاً آخر”. خلاص، لأن الأمور أصبحت بالنسبة لهم ممكنة وقريبة.
محمد الرجوب: والآن أصبح لدينا تصنيع الروبوتات وأصبح لدينا تصنيع جميع الأدوات التي يحتاجها الفضاء وغير الفضاء، ولكن تركيزها في الفضاء. الآن، أنا كمحمد علي، آه، أريد أن أصنع روبوتاً يساعد في شيء معين في الفضاء، آه. الآن، إلى من أذهب أو مع من أتواصل أو كيف أصل إلى بداية أن يمهد لي أحدهم طريقاً لأكمل مشروعي هذا؟
د. فراس الجرار: حتى الآن، هناك الكثير من المؤسسات الوطنية المهتمة بأفكار الشباب ومشاريع الشباب، منها “جودبي” (JODDB) وهو المركز الأردني للتصميم والتطوير، يشجعون مثل هذه المبادرات. لدينا الجامعات مثل جامعة الحسين وجامعات أخرى في الأردن. لكن ربما لا توجد مؤسسة تتبنى المشاريع بالشكل الذي ربما تطمح إليه. الأمر يحتاج إلى المزيد من العمل. نحتاج إلى مختبرات. أي شيء ترسله إلى الفضاء، تحتاج إلى مرافق اختبار (Testing Facilities)، طبعاً، من أجهزة اهتزاز (Shaker)، غرف الفراغ الحراري (Thermal Vacuum Chambers)، ومرافق اختبار أخرى. هذه الأمور ما زلنا بحاجة إليها لدينا. بعض المعدات موزعة، لكن ليس بالشكل الذي تكون فيه مركزة في مكان واحد مع الدعم اللازم لهذا الموضوع. لكن إن شاء الله، أنا متفائل، وأشعر من اجتماعاتي مع الكثير من الناس والمؤسسات، أنت تحدثت عن الزخم، وهناك حماس، هذا الحماس لهذا التوجه، لأن الجميع شعر بأهميته وشعر بالفائدة التي ستعود إن شاء الله على البلد وعلى شبابنا.
محمد الرجوب: هو الحماس، يمكننا القول، أن يكون لدينا شبابنا قادرين بشكل طبيعي، أن يبطل الموضوع “واو، واو، واو”، لا، يصبح شيئاً، خلاص، هذا هو الحد الأدنى الذي وصلنا إليه وأنهيناه. آه، تتوقع متى سيحدث هذا الشيء؟ يعني متى سنتقبل هذا الموضوع بالكامل، بما أننا نتحدث الآن عن التقبل؟ متى سنصل إلى هذا الموضوع؟
د. فراس الجرار: والله من إحساسي ومن تعاملي مع الشباب، بمن فيهم أنت، نعم، أقول لك: قريب جداً. وأنا متأكد إن شاء الله، قريباً جداً سنرى مبادرات وسنرى نتائج ومشاريع إن شاء الله تدهش الجميع. شبابنا أذكياء جداً ولديهم طموح ومستعدون للمنافسة على المستوى العالمي بشكل كبير جداً. وأقول لك هذا لأنني أيضاً على اطلاع بالمؤسسات وشركات الفضاء العالمية، ليس فقط التي في الأردن، نعم. التي تعرف من أنشأها؟
محمد الرجوب: أردنيون، يظهرون…
د. فراس الجرار: لا، لا، غير الفكرة. بالتأكيد هناك أردنيون، أتفق معك، لكنهم شباب، آه.
محمد الرجوب: صحيح.
د. فراس الجرار: الكثير من هذه الشركات بدأت بطلاب جامعات، شباب، وخلال سنوات قليلة أصبحت لديهم شركات ناشئة، خاصة في مجال الفضاء، أنا أتحدث لك، نعم. وأنا نفسي كنت أُدهش. يعني عندما أذهب مثلاً إلى المؤتمرات الكثيرة التي تقام على مستوى العالم في قطاع الفضاء، وأكون قد حددت موعداً لأجتمع مع شركة ما، نعم، على أساس النقاش معهم ومجالات التعاون أو الاستفادة من خدماتهم…
محمد الرجوب: مثل “سبيس إكسبو” في أوروبا أو حتى في أمريكا، يمكننا القول. كان آخر مرة في بريمن، صحيح، أتوقع؟
د. فراس الجرار: ليس آخر مرة، قبل سنتين في بريمن، وفي أماكن كثيرة، مضبوط، صحيح. فلما أذهب لأجتمع معهم، أتفاجأ بأنهم شباب صغار، عرفت كيف؟ آه، هم بداية، هم أصحاب الشركة.
محمد الرجوب: شباب أصحاب الشركة.
د. فراس الجرار: أنا أتحدث لك عن الرؤساء التنفيذيين (CEO) والمخترعين، وهكذا. فأنا، أول شيء، أُدهش. لكنني لا أنظر إليهم نظرة استغراب “ما هذا، شباب؟”، لأنني أرى إنجازاتهم. هذه الشركات، تستغرب، خلال سنوات قليلة، وأنا دائماً أقول لفريقي، نعم، أنا رأيتهم وكنت أُدهش جداً، في سنوات قليلة أصبحت شركاتهم شركات عالمية، وتتحدث عن رأس مال مرعب وعدد كبير من الموظفين الذين يعملون معهم. ونحن لا ينقصنا شيء، بالعكس، من تفاعلي مع أولئك الشباب وتعاملي معهم، شبابنا لديهم قدرة أكبر على العطاء وأكثر ذكاءً وإبداعاً. يمكن ما يفرق هو…
محمد الرجوب: نعود لسيرة الدعم، نعم. هو ما يفرق يمكن الدعم، أنا أتوقع.
د. فراس الجرار: لهؤلاء الشباب، أكيد، أكيد، يحتاج الأمر إلى دعم، ويحتاج إلى إلهام. يعني أنت تريدهم أن يروا قصة نجاح. عندما يرون قصة نجاح، يتشجع الشباب. يعني، كثيراً من الأحيان هناك شباب متميزون، وأنا لا أنتقص من التخصصات الأخرى، بس مثلاً، تجده حصل على شهادة تقنية، مثلاً في الهندسة، لكنه ذهب وفتح مطعماً. أنا 100% مع المطعم، لكنك الآن ابتعدت عن الهندسة. هناك أناس يتخرجون في مجالات، يسمونها الآن هندسة وتكنولوجيا الطعام والغذاء وإلى آخره، فليفتح ذلك الشخص المطعم. لكنك تخرجت مثلاً في هندسة الميكانيك ومهاراتك لم تستخدمها. بالتأكيد مهارات حل المشكلات (Problem Solving) ستساعدك، لكنك لم تذهب إلى مجال الروبوتات والفضاء وهذه التطبيقات. لماذا؟ لأنهم لم يروا نماذج. فالآن عندما يبدأون يرون، عندما يرون أمثلة ناجحة، وإن شاء الله في الأردن، نريدهم أن يتجهوا في هذا الاتجاه.
محمد الرجوب: طبعاً، هو (ريمسات) كما قلنا ليس أول مشروع، ولكن هل هو، نحكي، طب إن شاء الله لن يكون خط النهاية طبعاً، بل سيكون خط بداية لجيل جديد. أنا أقول أنه سيكون قادراً على إيصال هذه المعلومات، معلومات الكيوبسات، يمكننا القول، آه، للجيل الذي يليه ومساعدتهم في تقنياته.
د. فراس الجرار: بالتأكيد، أنا معك 100%. هدفي الأساسي، والفريق يعرف، هو تدريبهم وتعليمهم، وهم يعرفون أن هذه مسؤولية عليهم أيضاً، لأنهم هم أيضاً يجب أن ينشروها بين زملائهم. وبعد ذلك، لدي استدامة. إن شاء الله تعالى، وإذا أحيانا الله، هذا لن يكون أول وآخر مشروع. هو فعلياً ليس أول مشروع لدي، لكنه لن يكون آخر مشروع. دائماً يجب أن يكون لدينا إن شاء الله عدة مشاريع، وكلها تبني على بعضها، ونظل في عملية استمرارية لتعليم الشباب، وبمساعدة الشباب أنفسهم الذين تعلموا الآن، يعني سيأخذون مبادرات إن شاء الله. وأنا أعرف هذا الأمر، أنا دائماً أشجعهم وأقول لهم: “أنتم عالقون معي” (You are stuck with me). وهذا الكلام حتى مع الطلاب الذين، حتى مثلاً لو ذهبت، عادي، أنا ما زلت معكم، لكن من بعيد. تعرف طلابي الذين كانوا قبلاً، حتى عندما كنت في جامعة خليفة من مختبر الياه سات، نعم، ما زلت على اتصال مستمر معهم، وكل فترة نتحدث مع بعضنا. عندما تتاح لي سفرة إلى مكان هم فيه، نجتمع مع بعضنا. عندما هم يعرفون… العلاقة التي نشأت الآن تجاوزت الغرفة الصفية والمشروع، هي علاقة استمرارية وعلاقة حياة. نحن لدينا هدف مشترك، قيم مشتركة، حلم مشترك. لقد تجاوزت هذه الأمور. وعلى فكرة، أنا أتعلم منهم كما يتعلمون مني، فلا تفكر أنه يعني…
محمد الرجوب: مرات تأتي أفكار، هي الفكرة أن تأتي أفكار. الفكرة أن تأتي أفكار من الشباب، حتى لو لم تكن من الشباب، عادي، من أي شخص تأتي منه الأفكار، سيكون تقبلها من خلال أناس مثلك دكتور، نعم، آه، الذين لديهم العقول التي تستطيع الاستفادة من هذه الأفكار وتحقيقها وجعلها على أرض الواقع، يمكننا القول.
د. فراس الجرار: ما دام هؤلاء الشباب طموحهم يتجاوز شخصهم، عرفت كيف؟ يعني طموحهم يتجاوز السماء، طموحهم يتجاوز…
محمد الرجوب: وصلوا إلى الفضاء، خلاص، هذا هو الطموح.
د. فراس الجرار: أنت كررتها كثيراً هذه الجملة وأنا أحبها وقد استخدمتها.
محمد الرجوب: نعم، آه، أنا كثيراً.
د. فراس الجرار: مرة جاءني الطلاب يقولون لي: “دكتور، السماء هي الحد” (The sky is the limit). قلت لهم: “لا، لا، السماء هي البداية (The sky is the beginning). حدودنا فوق السماء” (Our limit is above the sky). نعم.
محمد الرجوب: فبالضبط.
د. فراس الجرار: وأنا سعدت أنك تستخدم هذه الكلمة. طالما أن طموح الطلاب يتجاوز أنفسهم، يعني أنا لا أريدهم مثلاً، كثيراً من الأحيان الآن هناك نوع من التوجه أنني أريد أن أصبح مليونيراً وأريد كذا. لا، لا، ليس هذا. ستصبح مليونيراً ربما كناتج ثانوي إذا عملت بشكل صحيح، وكان هدفك صحيحاً. وكل الذين عملوا في هذه التقنيات أصبحوا مليونيرات، لكن لم يكن هذا هدفهم. الهدف الأساسي كان أبعد من ذلك، لأنك تريد توطين تكنولوجيا مهمة جداً لبلدك ولوطنك، تفيد شباب البلد، تفيد غيرك. يعني قيمتك بما تقدمه للناس، نعم. فإذا كان هذا هو الهدف الأساسي عند الطلاب وعند الشباب، وإذا تجاوزنا أنفسنا، نعم، لا نخاف من شيء، يصبح لدينا ثقة بأننا قادرون على العمل، ولديهم أمل وإصرار، طبعاً، خلاص، السماء هي الحد في هذه الحالة.
محمد الرجوب: طبعاً دكتور. دكتور، أعطنا نصائح لنا نحن كشباب.
د. فراس الجرار: ما أود أن أقوله، ربما كملخص، أنه لا يوجد مستحيل، نعم، لا يوجد مستحيل. دائماً نكون منفتحين (open-minded)، جريئين في طموحنا. يعني لا نسمح لأحد… كثيراً من الأحيان، لعلمك، حتى أنا، كان في مرات عندما أعمل في مشاريع الفضاء وأنا في سني، يأتي زملاء لي ويضحكون، ويقولون لي: “فراس، لماذا لا تركز مثلاً في أبحاثك في مجال آخر؟ لماذا تذهب إلى الفضاء؟ أنت تعلم أن الاقتباسات (citations) في الفضاء أقل”. يعني يفكرون بطريقة مختلفة، طبعاً. فلا، لا تدع غيرك يحكم على حلمك.
محمد الرجوب: لأن معظم الناس، للأسف، تفكيرهم مادي.
د. فراس الجرار: للأسف، للأسف، للأسف. فإذاً، لا يوجد مستحيل، نعم. وهذه، نضع تحتها ثلاثة خطوط، نعم. عندما تكون تفكر بهذه الطريقة، إن شاء الله تعالى، المستقبل مشرق أيضاً، إن شاء الله دكتور.
محمد الرجوب: دكتور، يعطيك ألف عافية، وشكراً أنك جئت إلينا. وصدقاً، أكثر ما يمكن، لقد استفدنا كثيراً. مهما قلت أننا استفدنا، لقد استفدنا كثيراً صراحةً من (ريمسات) ومنك دكتور طبعاً، لأنك شرحت لنا ما هو (ريمسات). شباب، هذه كانت حلقة “صوت الشباب”. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. [موسيقى]




