فودكاست

"ريمسات": حين يصبح شباب الأردن نواة لمشروع فضائي وطني | فودكاست جزيل

في حلقة مميزة خرجت عن المألوف من بودكاست “صوت الشباب”، استضاف المحاور محمد الرجوب الدكتور فراس الجرار، رئيس فريق أول قمر صناعي أردني مكعب (كيوبسات) يحظى بدعم من الأمم المتحدة، في حوار شيق كشف عن طموح أردني يلامس عنان السماء ويؤسس لمستقبل واعد في قطاع الفضاء. لم تكن الحلقة مجرد نقاش تقني، بل كانت رحلة ملهمة في عقول الشباب الأردني الذين قرروا تحويل الخيال العلمي إلى واقع ملموس.

من هو “ريمسات” وما مهمته؟

بدأ الدكتور فراس الجرار حديثه بتبسيط مفهوم “الكيوبسات” للجمهور، موضحاً أنه قمر صناعي مصغّر يأتي بأبعاد قياسية (10x10x10 سم)، ويمثل ثورة في عالم الفضاء بفضل تكلفته المنخفضة وسرعة تطويره التي لا تتجاوز السنتين مقارنة بعشر سنوات للأقمار التقليدية الضخمة. هذا التطور، الذي يشبه تصغير التكنولوجيا في هواتفنا الذكية، فتح الباب أمام الدول والجامعات لدخول هذا المجال الذي كان حكراً على القوى الكبرى.

أما عن اسم المشروع “ريمسات”، فقد كشف الدكتور فراس أنه مستلهم من قلب مهمته الوطنية والبيئية، وهي تتبع “غزال الريم” المهدد بالانقراض في الأردن. فكرة المشروع، التي بادرت بها الطالبة ديانا الجبور، تهدف إلى وضع أطواق ذكية على الغزلان ترسل بيانات مواقعها إلى القمر الصناعي “ريمسات” أثناء مروره فوقها، والذي بدوره يرسل هذه البيانات إلى محطة أرضية في الأردن. تتيح هذه المعلومات للجمعية الملكية لحماية الطبيعة دراسة سلوك هذه الكائنات وحمايتها بفاعلية أكبر، مما يجسد اندماجاً فريداً بين التكنولوجيا المتقدمة والحفاظ على التنوع البيئي.

الاستثمار الحقيقي: بناء جيل جديد

رغم الأهمية التقنية والبيئية للمشروع، فاجأ الدكتور فراس المحاور والجمهور بالكشف عن “سر” المشروع وهدفه الأسمى. قال: “المشروع ليس غزلان الريم ولا هو ريمسات… المشروع الحقيقي هم أنتم”، مشيراً إلى الطلاب. فجوهر “ريمسات” لا يكمن في إطلاق قمر صناعي إلى المدار، بل في بناء نواة صلبة من الكفاءات الشابة المؤهلة والقادرة على قيادة قطاع الفضاء في الأردن مستقبلاً.

يتكون الفريق بالكامل من طلاب جامعيين من مختلف الجامعات الأردنية (جامعة الحسين التقنية، الجامعة الهاشمية، وجامعة العلوم والتكنولوجيا)، الذين يعملون بشغف أسبوعي رغم التزاماتهم الدراسية. يمثل هذا المشروع بالنسبة لهم “كسراً للحواجز” النفسية التي كانت تجعل الفضاء يبدو بعيد المنال، وقد تحققت إحدى أهم لحظات “الواو” للفريق عند حصولهم على دعم مكتب الأمم المتحدة لشؤون الفضاء الخارجي، الذي سيغطي تكاليف الإطلاق باهظة الثمن والمقرر في أواخر عام 2026.

رؤية للمستقبل: من التعليم إلى وكالة الفضاء

توسع الحوار ليشمل رؤية أشمل لمستقبل الأردن في هذا القطاع الحيوي. شدد الدكتور فراس على ضرورة إدماج علوم الفضاء في المناهج التعليمية في المدارس والجامعات، ليس فقط كتخصصات مستقلة، بل كجزء من مختلف العلوم الهندسية والتطبيقية، لترسيخ الوعي بأهمية هذه التكنولوجيا التي باتت جزءاً لا يتجزأ من حياتنا اليومية، من الاتصالات والإنترنت (مثل ستارلينك) إلى الزراعة ومراقبة التغير المناخي.

كما تطرق إلى رحلته الشخصية، حيث كان شغفه بالفضاء يدفعه لربط كل ما يدرسه ويعمله، حتى أثناء عمله في مصفاة البترول، بحلمه الفضائي. هذه المثابرة هي الرسالة التي يوجهها للشباب اليوم، مؤكداً أن “السماء ليست الحد، بل هي البداية”، وأن الفرص متاحة لمن يسعى إليها بإصرار وأمل.

لم يكن “ريمسات” المشروع الوحيد، فقد كشف الدكتور فراس عن مشاريع أخرى يعمل عليها مع طلابه، مثل مشروع “وسات” الذي يهدف إلى بناء مكونات القمر الصناعي من الصفر، ومشروع روبوت رباعي الأرجل، مما يؤكد أن هذه الجهود ليست مبادرة معزولة بل هي جزء من عملية مستدامة لبناء القدرات وتوطين التكنولوجيا.

في ختام الحلقة، أكد الدكتور فراس تفاؤله الكبير بمستقبل الأردن في هذا المجال، مشيراً إلى أن تأسيس وكالة فضاء أردنية وتوفير الدعم والمختبرات اللازمة سيفتح الباب أمام الشباب الأردني المبدع للمنافسة عالمياً. إن قصة “ريمسات” ليست مجرد إنجاز تقني، بل هي شهادة حية على أن الاستثمار في طموح الشباب وشغفهم هو أقصر الطرق للوصول إلى أبعد النجوم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى