
لا تخلو أي علاقة زواجية من الخلافات، فهي جزء طبيعي من ديناميكية الحياة المشتركة. لكن الفارق الجوهري بين علاقة صحية وأخرى متعثرة يكمن في طريقة إدارة هذه الخلافات والتعامل معها. فالنزاعات التي تُترك دون حل تتحول إلى جروح نفسية عميقة، وتؤثر سلباً ليس فقط على الزوجين، بل تمتد آثارها لتلقي بظلالها على استقرار الأسرة بأكملها، وخاصة الأبناء.
في هذا الحوار، نغوص في أعماق الخلافات الزوجية من منظور نفسي متخصص، لنفهم جذورها الحقيقية. سنتناول الفروقات في التركيبة النفسية بين الرجل والمرأة وكيف تؤثر على ردود أفعالهما، وسنسلط الضوء على دور الذكاء العاطفي في نزع فتيل الأزمات، كما سنستكشف الأثر الخفي الذي تتركه هذه النزاعات على نفسية الأطفال. انضموا إلينا في رحلة لاستكشاف فن إدارة الخلافات، وتحويلها من مصدر للألم إلى فرصة للنمو والتفاهم العميق.
مراحل البودكاست
المرحلة الأولى: 00:00:00 – 00:02:26 | مقدمة: طبيعية الخلافات ومؤشرات القلق
- المحتوى: تبدأ د. صابرين الصافي الحلقة بالترحيب وتحديد موضوع النقاش وهو الخلافات الزوجية من منظور نفسي. تؤكد على أن وجود الخلافات هو أمر طبيعي، لكن الأهم هو كيفية التعامل معها. تقدم ضيفتها د. نهاية الريماوي، التي تؤكد على أهمية الموضوع للمتزوجين والمقبلين على الزواج. تطرح د. صابرين سؤالاً حول ما إذا كان الأزواج “بخير” في الوقت الحالي، فتجيب د. نهاية بأن الخير مرتبط بزيادة الوعي، وتشير إلى أن مؤشرات مثل نسب الطلاق المرتفعة والخوف من الارتباط لدى الشباب تدل على وجود تحديات، وأن الخلافات التي يعيشها الأبناء في طفولتهم تؤثر على قراراتهم المستقبلية.
المرحلة الثانية: 00:02:26 – 00:05:48 | من المسؤول عن إطفاء شرارة الخلاف؟ الوعي مقابل النوع الاجتماعي
- المحتوى: تتساءل د. صابرين عمن هو المسؤول عن تهدئة الخلافات، الزوج أم الزوجة. تجيب د. نهاية بأن المسؤولية تقع على عاتق “الأكثر وعياً” بغض النظر عن جنسه. تشرح الفروقات في التنشئة الاجتماعية بين الرجل والمرأة وكيفية تعبير كل منهما عن مشاعره، حيث يميل الرجل للكبت بينما تعبر المرأة بشكل مباشر. تحذر من أن السلوكيات المصاحبة للخلاف، كالإهانة، قد يكون أثرها النفسي أطول من الخلاف نفسه. ترفض فكرة أن عقلانية الرجل تجعله بالضرورة الأقدر على حل الخلاف، وتوضح أن هذا نتاج تربوي وليس طبيعة مطلقة.
المرحلة الثالثة: 00:05:48 – 00:08:03 | فهم التركيبة النفسية للرجل والمرأة وأثرها على الأدوار
- المحتوى: يتمحور النقاش حول ضرورة فهم كل طرف للتركيبة النفسية للآخر. تشرح د. نهاية أن الذكاء العاطفي هو مفتاح قراءة الشريك. تتطرق إلى الفروقات البيولوجية والهرمونية (مثل التستوستيرون لدى الرجل والإستروجين لدى المرأة) وتأثيرها على السلوكيات العامة كالحساسية والاندفاعية. تربط هذا بميل الرجل الطبيعي نحو القيادة في المجتمعات العربية، مع التأكيد على أهمية ألا تتحول هذه القيادة إلى تحكم وسيطرة، وتخلص إلى أن تداخل الأدوار وعدم فهمها هو منبع رئيسي للخلافات.
المرحلة الرابعة: 00:08:03 – 00:15:22 | الزوج الحساس وظاهرة نشر الخلافات على وسائل التواصل الاجتماعي
- المحتوى: تتناول د. صابرين حالة “الزوج الحساس” الذي قد يتبنى سلوكيات عاطفية أنثوية. توضح د. نهاية أن البيئة والتنشئة قد تتغلب على الطبيعة البيولوجية. ينتقل الحديث إلى الظاهرة الحديثة المتمثلة في نشر الأزواج (وخاصة الرجال) لخلافاتهم على العلن. تعتبر د. نهاية هذا السلوك دليلاً على عدم الاتزان النفسي ويتنافى مع الرجولة السوية ومبدأ “الستر”. تؤكد أن الحياة المثالية المعروضة على وسائل التواصل لا تشبه الواقع، وأن الحياة الزوجية الطبيعية مليئة بالتقلبات، وليست سعادة دائمة أو خلافاً دائماً.
المرحلة الخامسة: 00:15:22 – 00:19:00 | الأثر النفسي والجسدي للزعل ودور الرجل في استقرار الأسرة
- المحتوى: يُطرح سؤال حول من يتأثر أكثر بـ “الزعل”، الرجل أم المرأة. توضح د. نهاية أن التأثير يعتمد على “المناعة النفسية” لكل شخص. لكنها تشير إلى أن ميل الرجل لكبت مشاعره قد يؤدي إلى ظهور آثار جسدية خطيرة لاحقاً (مثل أمراض القلب)، بينما تميل المرأة للتعبير والتنفيس. ثم تقدم د. نهاية رؤيتها بأن “إذا كان الرجل سوياً، فالبيت يكون سوياً”، مؤكدة على أن استقرار الزوج النفسي ينعكس بشكل مباشر على استقرار الزوجة والأسرة بأكملها.
المرحلة السادسة: 00:19:00 – 00:23:19 | الفجوة العاطفية: أسبابها وكيفية التعامل معها
- المحتوى: يُناقش مفهوم “الفجوة العاطفية” بين الزوجين. توضح د. نهاية أنها قد تكون نتيجة طبيعية لتراكم الخلافات التي تبني حواجز نفسية، مما يؤثر على التعاطف والعلاقة الحميمة. تعتبر وجود فترات من التباعد الصحي أمراً مقبولاً، لكنها تحذر من أن طول مدة الفجوة العاطفية يولد الجفاء ويقتل المشاعر. تطمئن الزوجات بأن ترميم هذه الفجوة ممكن، وتفسر ميل الرجل للانسحاب إلى “كهفه” وقت المشكلة، وتنصح بمنحه مساحته قبل محاولة حل الخلاف.
المرحلة السابعة: 00:23:19 – 00:29:19 | خطورة الشعارات الرائجة مثل “تحرري” و”أحبي نفسك”
- المحتوى: يتم تسليط الضوء على الشعارات الحديثة التي تدعو المرأة للتحرر وترك الزوج. تعتبر د. نهاية أن هذه الأفكار “مغلوطة” وقد أدت إلى تخريب التركيبة المجتمعية وتداخل الأدوار. تدعو إلى “العدالة” بدلاً من “المساواة”، حيث يتم تقدير طبيعة واحتياجات كل طرف. تحذر من أن هذه الشعارات قد تؤدي بالمرأة إلى الضياع والشعور بالوحدة، وتؤكد على أهمية فهم الزوجين لأدوارهما قبل الزواج لتحقيق علاقة سوية وداعمة.
المرحلة الثامنة: 00:29:19 – 00:37:30 | تأثير الخلافات الزوجية على الأبناء وتكرار الأنماط السلوكية
- المحتوى: ينتقل النقاش إلى التأثير العميق للخلافات الزوجية على الأطفال. توضح د. نهاية أن سلوكيات الأطفال غير السوية (مثل التي تظهر على وسائل التواصل) هي نتاج مباشر لبيئة أسرية غير آمنة ومحفزة للألم النفسي. توجه رسالة للآباء بضرورة الاستعداد العاطفي قبل الإنجاب وإبعاد الأطفال عن الخلافات الجوهرية. كما تشرح كيف أن الأطفال الذين ينشؤون في بيئة مضطربة يميلون إلى تكرار نفس الأنماط السلوكية في زيجاتهم المستقبلية بشكل لا واعٍ، وتؤكد على أن الوعي والعمل على الذات يمكن أن يكسر هذه الدائرة.
المرحلة التاسعة: 00:37:30 – 00:43:45 | متى يكون الطلاق حلاً؟ الخلافات الجوهرية وقضية الخيانة
- المحتوى: تناقش الحلقة متى تصبح الخلافات سبباً مشروعاً للطلاق. تعتبر د. نهاية أن الخلافات البسيطة هي “ملح الحياة”، لكن الخلافات الجوهرية التي تمس الهوية والكيان (مثل رفض عمل الزوجة أو الإهانة المستمرة) يصعب حلها. تتطرق إلى قضية الخيانة كأحد أصعب أنواع الخلافات التي تدمر الثقة بشكل أساسي. توضح أنه ليس بالضرورة أن تنتهي كل خيانة بالطلاق، فالأمر يعتمد على نوعها واستعداد الطرفين للترميم، لكنها تؤكد أن استعادة الثقة عملية طويلة وشاقة.
المرحلة العاشرة: 00:43:45 – 00:46:36 | خاتمة: دور الاستشارة الزوجية والأمل في الإصلاح
- المحتوى: تختتم الحلقة بجرعة إيجابية حول دور الاستشارة الزوجية. تؤكد د. نهاية أن دور المختص هو “إضاءة الطريق” للزوجين وليس اتخاذ القرار نيابة عنهما. من خلال تقريب وجهات النظر والعمل على طريقة التفكير، يمكن حل الكثير من الخلافات التي كانت تبدو مستحيلة. تشير إلى وجود حالات نجحت في تجاوز فكرة الطلاق وبناء حياة مستقرة. تختم د. صابرين بشكر ضيفتها والتأكيد على أن الطلاق، رغم صعوبته، يظل حلاً إلهياً في بعض الحالات.
بداية البودكاست
د. صابرين الصافي: يا أهلاً وسهلاً بكم في حلقة اليوم، سوف نتحدث عن الخلافات الزوجية وتحديداً من المنظور النفسي. كيف تؤثر الخلافات على نفسيات الأزواج أو الزوجات؟ عادةً عندما نسمع كلمة “خلافات”، أول ما يتبادر إلى أذهاننا هو موضوع سلبي أو موضوع غير طبيعي، ولكن الطبيعي هو أن تكون هناك خلافات ما بين الأزواج، ولكن المهم هو أن نتمكن من التعامل معها حتى تخفف عنا التأثير النفسي الذي من الممكن أن يضر الزوجة أو الزوج. اليوم سوف نتحدث عن هذا الموضوع وسوف نقدمه لكم على طبق من محبة حتى تتمكنوا من الاستفادة منه كأزواج وزوجات، وكمقبلين على الزواج ومقبلات على الزواج. وحتى نتحدث عن هذا الموضوع، معي في الاستوديو الدكتورة نهاية الريماوي، معالجة نفسية وتربوية. أهلاً وسهلاً بكِ يا دكتورة.
د. نهاية الريماوي: أهلاً بكِ دكتورة، مقدمة جميلة وبالتأكيد تهم أغلب الناس سواء كانوا متزوجين أو مقبلين على الزواج.
د. صابرين الصافي: نوَّرتِنا. وقبل أن نخوض يا دكتورة بالخلافات وندخل في هذا العالم الذي يعني، يحب الكثيرون أن يسمعوا عنه، أريد أن تطمئنينا، هل نحن بخير؟ الأزواج والزوجات في الوقت الحالي، هل هم بخير؟
د. نهاية الريماوي: واللهِ نحن نكون بخير إذا رفعنا نسبة الوعي. يعني إذا أنت قررت أن تكون بخير، فستكون بخير. ولكن بالطريقة التي يتعاملون بها الآن مثلاً، من الممكن أنهم يسمعون من الآخرين، ولديهم نماذج سيئة، واللهِ تجعل الزواج ليس بخير. وبالطبع نسب الطلاق التي أصبحت موجودة هي التي تقول لنا إن الزواج ليس بخير.
د. صابرين الصافي: ولكن واللهِ كنت قد قرأت قبل فترة، هكذا بطريقة عابرة، أن نسب الطلاق في الأردن قد خفت في الفترة الماضية.
د. نهاية الريماوي: بالتأكيد، يكون هذا الخبر لفترة قصيرة، يعني أنا لم أطلع عليه بالتفصيل، مما يدل على أنه من الممكن أن الوعي عندما يزيد، عندما تكون مقبلاً على الزواج وتعمل على هذه المؤسسة التي تريد أن تنشئها قبل أن تنشئها، بالتأكيد تكون لدينا الخلافات شيئاً طبيعياً، لكن إذا زادت الخلافات يكون لدينا الزواج ليس بخير. الخوف حتى لدى المقبلين على الزواج والفتيات والشباب من أن يتزوجوا، الخوف من الارتباط بات واضحاً، وخاصة عندما يأتي لمراجعتنا أناس أو بمشكلات معينة لها علاقة بالعمل أو بالحياة، نكتشف أن الخوف من الارتباط هو سبب من أسباب العزوف عن الزواج، وبالتالي الخلافات التي ربما يكونون قد عاشوها في الطفولة مع آبائهم هي سبب من أسباب هذه السلوكيات أو طريقة التفكير هذه التي هم يسيرون عليها حالياً.
د. صابرين الصافي: تمام دكتورة، مثلما قلتِ، الخلافات الزوجية موجودة، ولكن دعينا يعني، نعرف فعلياً من المسؤول عن إطفاء شرارة الخلافات الزوجية؟ الزوج أم الزوجة؟ يعني تركيبة الرجل أو المرأة، من لديه القدرة أكثر على أن يطفئ شرارة الخلاف؟
د. نهاية الريماوي: نحن نعرف أنه غالباً المرأة عاطفية، لكن لا يعني ذلك أن الرجل ليس عاطفياً، لكن طريقة إدارة المشاعر والعواطف عند الرجل تكون أكثر من المرأة بحسب طبيعة تركيبتها الفسيولوجية، وربما تربيتها أيضاً. نحن عندما نربي الرجل نقول له: “أنت لا تبكِ، أنت رجل، عليك أن تتحمل”، فمراتٍ تكون قدرته على التحمل في البداية، إذا لم يعرف كيف ينفّس عن هذه المشاعر، تحدث مشكلات نفسية وجسدية لهذا الرجل. من الممكن أنه يقدر أن يضبط انفعالاته. المرأة لا، تعبّر، تبكي سريعاً، تلاحظين انفعالاتها، غضبها. فالقادر على إطفاء الخلافات الزوجية هو، أنا أقول، الأكثر وعياً، بغض النظر عن الرجل أو المرأة. يعني إذا كانت المرأة أكثر وعياً، هي القادرة على إطفاء الخلافات لأنها تعرف كيف تتعامل مع الخلاف، قادرة على التعامل مع نفسية الزوج، تعرف ما هي محفزات هذه الخلافات وتعمل عليها. وإذا كان الرجل هو الأكثر وعياً، سيفعل الشيء نفسه. فدائماً أقول الأكثر وعياً هو المتحكم في العلاقة الزوجية. وإذا لم يكن هناك وعي بين الطرفين وكل شخص يضع المشكلة والتراكمات تحدث، بالتأكيد هنا الخلافات سوف تنشب، وبعد ذلك ستصبح معركة. وتصوري أنكِ عندما تعيشين في معركة، يعني دائماً أقول في المعركة كل الأسلحة مشروعة، فهكذا يتعامل الأزواج؛ أننا الآن في خلافات، فنصبح نفعل كل شيء نقدر عليه، حتى أننا نتجاوز حدودنا. ومن هنا تأتي فكرة من يستطيع حل الخلاف إذا حدثت إهانة، يعني الزوج أهان الزوجة، بالتأكيد يمكن أن ينتهي الخلاف، لكن أثر الإهانة سوف يستمر. فأحياناً السلوك الذي نقوم به أثناء الخلاف يكون أطول عمراً من الخلاف نفسه، بتأثيره طبعاً على نفسية أحد الأطراف.
د. صابرين الصافي: يعني دكتورة، أنتِ لستِ مع فكرة أنه طالما تركيبة المرأة تصنف على أنها عاطفية غالباً، والرجل على أنه عقلاني، فبالتالي يفترض أن الرجل أكثر قدرة على أن يطفئ شرارة الخلاف؟
د. نهاية الريماوي: واللهِ يا دكتورة، يبدو أنكِ ستجعلين السيدات يقلن لنا… يعني موضوع العقلانية والرجل والرجال قوّامون ونبدأ بهذا الصراع الذي هو أزلي إذا أردت أن أتحدث. لكن فعلياً، المرأة تعبر عن عواطفها بطريقة أكثر سهولة ويسر من الرجل، لكن لا يعني ذلك أنه يوجد رجال عصبيون. فما هي العصبية أيضاً، هي شكل من أشكال التعبير عن المشاعر. إذا كانت المرأة تبكي وتشكي، فالرجل لديه طرق أخرى للتعبير. ممكن عندما يكون يتعامل بطريقة معينة، ممكن التحكم بالأطفال، بالزوجة، هو شكل من أشكال التعبير عن المشاعر المكبوتة. لكن الأشكال لدينا مختلفة، المرأة تبدو عاطفية والرجل يبدو عقلانياً، لماذا؟ لأنه كما قلنا، هو تربى بطريقة أنه “أنت رجل، لا تتحدث، اضبط نفسك، لا يجوز أن تصرخ، لا يجوز أن تفعل، لا يجوز أن تبكي”. فكل هذه الأمور تجعل الضبط لديه قد يكون أعلى، لكن لا يعني ذلك أن كل الرجال أو كل النساء كذلك. بالتأكيد توجد حالات لا تنطبق عليها هذه القاعدة.
د. صابرين الصافي: تمام. من هنا نريد أن ننتقل يا دكتورة إلى تركيبة المرأة والرجل، وهذا أيضاً من المواضيع التي يكثر الحديث عنها مؤخراً، وأن الخلافات الزوجية تحدث أوقاتاً بسبب أن الرجل لا يفهم تركيبة المرأة النفسية، والمرأة لا تفهم تركيبة الرجل النفسية، ومن هنا يبدأ الخلاف. هو، ماذا يجب أن نفهم عن بعضنا البعض في الجانب النفسي؟
د. نهاية الريماوي: يجب أن تفهمي طبيعته واحتياجاته، وتفهمي كيف يفكر وردات فعله وتدرسيه. هذا جزء من جانب الذكاء العاطفي، يعني كلما امتلك الشخص ذكاءً عاطفياً، يصبح لديه قدرة على قراءة الطرف الآخر. الآن نحن لن نضعها في كتيب ونقول لهم هذه هي التعليمات وامشوا عليها، لكن لكل شخص طبيعته وتركيبته النفسية الخاصة. لكن عند الرجال، قد تكون لدينا سمات عامة، وعند النساء سمات عامة. فنحن ممكن أن نرى أن الزوجة، أي نوع مثلاً؟ قد تكون الزوجة أكثر حساسية من الرجل، ربما يعود هذا أيضاً، كما قلنا، للطبيعة الفسيولوجية. المرأة مثلاً لديها الهرمون الأنثوي، طبعاً هو هرمون الحساسية، وقد يجعل انفعالاتها غير قادرة على التحكم فيها. بالمقابل لدينا هرمون التستوستيرون للرجل، وهو هرمون الاندفاعية والذي يجعل الرجل يشعر بالقوة وأنه صاحب السلطة أحياناً، ويجعل لديه فكرة أنه هو القوّام. هذه الأشياء أيضاً موجودة في تركيبته الفسيولوجية، لا نستطيع إنكارها. يعني عندما تشعرين أننا في بيئتنا، خصوصاً مجتمعنا العربي، عندما يكون هناك زواج، دائماً الرجل هو يعني، يحب أن يتولى القيادة، ولكن كيف تكون طبيعة القيادة؟ لا تكون بطبيعة التحكم وأنه “أنا الأفهم وأنا الأقوى وأنا الأقدر”، ولكن لأنه كما قلنا، ضبطه لانفعالاته ومشاعره، وأنه يمتلك قدرة على التحمل أكثر في الأزمات خاصةً. يعني هذه دراسات تتحدث عن أن قدرة الرجل عندما يكون في الأزمات على التحكم بنفسه تكون أكثر من المرأة. لا يعني ذلك أن بعض النساء ليس لديهن هذه القدرة، لكننا نريد أن نتحدث بشكل عام وحسب ما هي تركيبة الرجل والمرأة من الناحية البيولوجية. ولهذا السبب نريد أن نقول إن للرجل أدواراً وللمرأة أدوارها. إذا تداخلت الأدوار مع بعضها وصار كل طرف يتدخل في دور الطرف الآخر، بالتأكيد الخلافات سوف تنشب. وإذا لم نصل إلى وسيلة نتفاهم فيها على أداء أدوارنا وأدائنا خلال هذه المؤسسة الزواجية التي ندخل فيها.
د. صابرين الصافي: تمام دكتورة، من خلال كلامك نحن نقول إن المرأة فعلياً، دعيني أقول عاطفية أو هرمون الأنوثة لديها عالٍ، فيكون طريقة تصرفها في الخلافات، ولكن هذا لا يعني أنها ليست عقلانية، فبإمكانها ضبط بعض الأمور. نريد أن نعكس الصورة قليلاً؛ الرجل، عندما يكون الرجل فعلياً حساساً رغم أنه رجل ويفترض أن لديه هرمونات الذكورة أعلى، ويكون لديه قدرة على القيادة والضبط والتحكم، إلا أنه توجد نساء يعانين من أزواج الحساسية لديهم زائدة، وكأن هرمون الأنوثة هو الطاغي على الرجولة، كيف يتصرفن مع أزواجهن؟
د. نهاية الريماوي: أحياناً، لدينا مقولة تقول: “جيناتك ليست قدرك”. كيف يعني؟ عندما تؤثر البيئة على الشخص أكثر من الطبيعة البيولوجية، نلاحظ أنه حتى صفات الذكورة والأنوثة تختلف حسب البيئة التي كانوا موجودين فيها. هذا الرجل الذي تعود أن يكون في بيئة، لنفترض كلها إناث، أو مثلاً في بيئة ليس لديه فيها نموذج ذكوري – لغياب الأب أو العم أو الخال أو الجد – في تفاعلاته، من الممكن أن هذا الشخص يتعلم من البيئة الموجود فيها أن يعبر عن مشاعره بطريقة أنثوية. فهنا تصبح طبيعة البيئة التي كان موجوداً فيها تغلب الطبيعة البيولوجية التي نشأ عليها. فهنا قد يكون هو حساساً، قد يكون هو الذي يبكي، قد يكون هو الذي يعيش دور الضحية. غالباً، لا أريد أن أقول إن هذه الصفات للمرأة فقط، لكنها طبيعة، كما قلنا، المرأة العاطفية التي تربي، التي تلد، التي تحمل، التي تفعل كل هذه الأمور، تتطلب منها هذه الحنية وهذه المشاعر لدورها. الرجل دائماً يبحث عن البناء ويبحث عن كيفية بناء هذه الأسرة، والمرأة هي التي تدير هذه الحياة وتربي، طبعاً جنباً إلى جنب مع الرجل. اختلفت الآن الأدوار بشكل أو بآخر، صار الطرفان يعملان، صار الطرفان يربيان، لكن طبيعة المرأة لا نريد أن ننكرها، ولا طبيعة الرجل نريد أن ننكرها. فإذا كان الطفل الرجل يميل إلى الحساسية، يميل إلى أنه هو الذي يريد أن يبكي، أو كما قلتِ قبل قليل عندما كنا نتحدث، تقولين لي إن هناك رجالاً يجلسون ويضعون قصصهم وينشرونها ويتحدثون فيها، وهذه هي طبيعة المرأة، نحن متعودون أن تكون هذه طبيعة المرأة.
د. صابرين الصافي: نعم، يوجد رجال طبعاً يخرجون عن الطبيعة، لم يأتوا جميعاً على كتالوج واحد.
د. نهاية الريماوي: كل شخص، كما قلت لكِ، حسب البيئة التي خرج منها، حسب تنشئته الوالدية، وكيف كانت الطريقة التي يعامَل بها وهو طفل، تظهر عليه، وخاصة في العلاقة الزوجية، تظهر شخصية الشخص الحقيقية.
د. صابرين الصافي: تمام دكتورة، بما أننا تحدثنا عن هذا الموضوع، فسأدخل فيه لأنه فعلياً أيضاً، يعني مؤخراً نرى البعض، دعيني أقول الآن ما بين المشاهير وما بين من يعتقدون أنهم مؤثرون أو المؤثرون الحقيقيون وما بين عموم الناس، ينتشر مؤخراً فكرة أن الرجل، أو دعنا نقول الزوج، ينشر خلافاته الزوجية على وسائل التواصل الاجتماعي، سواء بالتصريح أو بالتلميح، أو أنه إما يخرج ويتحدث عن مشاكله ويكون يتحدث في العلن، أو يصبح ينزل مقاطع فيديو أو محاضرات، سواء كانت اجتماعية أو دينية، حتى يوصل للناس أنه “أنا أمر بمشكلة والسبب هي الزوجة”. هل يتناسق هذا التصرف أو هذا السلوك مع تركيبة الرجل أو الرجولة أو القوامة؟
د. نهاية الريماوي: واللهِ يا دكتورة، هو لا يتناسب مع الشخص المتوازن، سواء كان رجلاً أو امرأة. لكن كما قلنا، الرجل عندما يفعل هذه الأمور في مجتمعنا، يعني الصورة النمطية للرجل، عندما يبدأ بالحديث عن مشاعره بهذه الطريقة، طبعاً هنا نلاحظ أن الأهداف التي جعلته يقوم بهذا السلوك تكون مختلفة، ليست طبيعة الرجل، لأن طبيعة الرجل غالباً يحاول أن يخفي مشاعره، يحاول ألا يظهر ضعفه، يعني ليست من طبيعة الرجل أن يظهر ضعفه. لكن عندما يصبح يريد أن يظهر ضعفه ويريد أن يعيش دور الضحية، هنا يعيش عكس دوره البيولوجي الذي نشأ عليه، وحتى دوره البيئي الذي تربى عليه كرجل في مجتمعنا العربي. لكن عندما يفعل هذا الأمر، يجب أن نبحث عن الهدف. قد يكون خصومه أو الناس الذين يحكمون بينه وبين زوجته هم المشاهدون أو المتابعون، فيصبح يريد أن يوضح لهم، فيلجأ إلى طريقة الشكوى والتذمر ونشر الخلافات. فبالتأكيد هذه الصفة نحن لا ننفيها عن الرجولة فقط، على فكرة، الرجولة هي صفة، صفة للرجل والمرأة، للذكر والأنثى، إذا كانوا يمتلكون صفات معينة، صفات نحن نحبها ونفضلها، نقول عنه يتصف بصفات الرجولة، لماذا؟ يعني تجعله مؤهلاً، تجعله سوياً، يعني لديه صفات جميلة، لهذا السبب نميز الرجل عن الذكر بهذه الصفات. فعندما يكون متبنياً لهذه الصفات، بالتأكيد لن يفعلها من منطلق التشهير، نشر الأسرار الشخصية. “وإذا ابتليتم فاستتروا”، يعني هناك قاعدة عامة من القرآن الكريم ومن الأحاديث والشواهد التي تربينا عليها. يعني عندما يكون هناك شيء يؤذي الطرف الآخر، الأصل أننا نستره، لا نكشفه أو نفضحه، بغض النظر عن كونك رجلاً أو امرأة. لكن الشخص الذي يتصرف بهذه الطريقة، اعلمي أنه غير متوازن نفسياً، لديه مشكلات، بالعامية نستطيع أن نقول إن لديه “عُقَداً”. يعني لو لم تكن لديه هذه العُقد، لما جعلته يتصرف هذا التصرف. المتوازن لا يتصرف بهذه الطريقة.
د. صابرين الصافي: صحيح. حتى يا دكتورة، البيوت المفتوحة على وسائل التواصل الاجتماعي، سواء بالخلافات أو بغير الخلافات، هل تشبه تركيبة مجتمعاتنا العربية والأردنية تحديداً؟
د. نهاية الريماوي: واللهِ هم لا يشبهون بعضهم. يعني ما أريد أن أقوله لكِ، بناءً على مجموعة من القصص الحقيقية لهؤلاء المشاهير، لا أريد أن أعمم، ولكن غالباً الصورة التي تظهر غير الصورة الحقيقية. فهم لا يشبهون أنفسهم، وبالتأكيد لا تشبه مجتمعاتنا. لأنه إذا لاحظتِ، يحاول الإنسان بطبيعته، خصوصاً على وسائل التواصل الاجتماعي، أن يظهر أحسن ما لديه، ويظهر حياته أنها مثالية. لكن بعض الأشخاص يميلون إلى إظهار المشكلات لأنهم، مثلاً، حدث خلاف أو طلاق وأصبح واضحاً للجمهور أو المتابعين، فيصبح كل واحد يتصرف حسب مصالحه، وما هو المفيد له. لكن هل فعلياً تشبه بيوتنا؟ لا. البيوت دائماً فيها الصعود والهبوط (up and down)، يعني المشكلات واللحظات الجميلة. لدينا الشيء الطبيعي، قلب الإنسان إذا تخيلتِ كيف يكون التخطيط، طالع نازل، لا يوجد ثبات ولا سعادة دائمة. وإذا كانت هناك خلافات دائمة، أو إذا كان هذا القلب لا يعمل بطريقة صحيحة، فسوف يتوقف، وتتوقف الحياة. نفس الشيء في حياتنا الزوجية، إذا كانت هناك خلافات مستمرة ولم نحلها، بالتأكيد سيحدث لدينا مشكلات، وبالتالي سيؤثر ذلك على صحتنا النفسية والجسدية للطرفين، ولكل شخص موجود في البيت، وربما تمتد للخارج. بالتأكيد الأهل في الخارج يتأثرون بطبيعة العلاقة عندما يكونون قد زوجوا ابنهم أو ابنتهم، وهذه المشكلات سوف تؤثر على فئة من المجتمع إذا لم نعرف كيف نحلها. لهذا السبب، الخلافات موجودة، لكن كيف نتناولها، كيف نحلها، كيف نتعامل معها، هنا يأتي الفن في التعامل في الحياة الزوجية. كم نقول إن هذا الإنسان، كما قلت لكِ، مؤهل، لديه ذكاء عاطفي، متوازن. بالتأكيد كل خلاف دائماً له حل، وإذا لم يُحل، فله طريقة تفاهم.
د. صابرين الصافي: صحيح. طيب دكتورة، الزعل، واللهِ ليجلب زعلاً، ولكن الخلاف يعني زعلاً. على من يؤثر الزعل أكثر فعلياً؟ على نفسية المرأة أم نفسية الرجل؟ من الذي يتأثر من هذا الزعل؟ الزوج أم الزوجة؟ وطبعاً التعب النفسي يعني تعباً جسدياً. فمن الذي فعلياً يزعل ويؤثر عليه الزعل أكثر؟
د. نهاية الريماوي: الزعل يؤثر على الشخص حسب استعداده النفسي والجسدي. يعني إذا أردتِ أن تري، هناك أناس قد يزعلون، فيقال إنهم أصيبوا بجلطة وتوفوا. هناك أناس قد يزعلون فيكتئبون. هناك أناس قد يزعلون ليومين ثم يواصلون حياتهم. فيؤثر حسب المناعة النفسية والمرونة (resilience) عند كل شخص، من مناعته أقوى. فإذا كانت المرأة مناعتها أقوى، قدرتها على التحمل أكثر، والزعل يؤثر عليها، أو طريقة تعاملها مع الزعل أصلاً. نفس الشيء الرجل، لكن كما قلت لكِ، الرجل يكبت، ومتى تظهر الآثار؟ ليس وقت الخلاف، بل بعده. وهناك سيدات يكبتن، لكن نسبتهن قليلة. المرأة قد تعبر لأمها، لأختها، لجارتها، لصديقتها. الرجل غالباً لا يميل إلى التعبير، لأنه كما قلنا، التنشئة الوالدية والمجتمعية التي نشأ عليها دائماً تجعله يخفي هذه المشاعر. ولهذا السبب نلاحظ أن نسبة الإصابة بأمراض القلب والجلطات عند الرجال أكثر منها عند النساء. لماذا؟ لأن طريقة تعاملهم مع المشاعر، والزعل بالدرجة الأولى، تؤثر على استجابة أجسامهم لاحقاً. لأن الاضطرابات الجسدية التي تصيبنا هي غالباً تكون مرتبطة ارتباطاً قوياً بالاضطرابات النفسية والبيئة التي نعيش فيها، خاصة إذا كانت محفزة للألم النفسي والضغط النفسي والزعل. لكن الشخص الذي أقول عنه الأذكى عاطفياً، سواء الرجل أو المرأة، هو من يستطيع أن يتحمل هذه النتائج بأقل الخسائر وأفضل النتائج.
د. صابرين الصافي: يعني عادةً نحن نسمع: اختلفنا من يحب الثاني أكثر؟ سأبدأ بسؤالك: من يزعل الثاني أكثر بصراحة يا دكتورة؟
د. نهاية الريماوي: انظري، إذا أردنا أن نقولها بطريقة واقعية، لا نريد أن نجامل، قد تكون المرأة “نكشت” (بدأت) والرجل أكمل. ففي الآخر، من الظاهر؟ الرجل. ولكن تعرفين يا دكتورة، أنا من خلال الحالات التي تمر علينا ونراها، أقول: إذا كان الرجل سوياً، صدقيني البيت يكون سوياً، كل شيء يُحل. لكن المشكلة عندما يكون الزوج، وخصوصاً أنه هو القوّام أو هو المسؤول أو هو الذي يدير أو هو المؤثر، يعني نحن نقول الأم تؤثر كثيراً، “الأم مدرسة إذا أعددتها”، ولكن فعلياً إذا وُجد الرجل في بيت كانت الأم فيه مرتاحة، الأم تصبح مدرسة. لكن إذا كان الأب نفسه لديه مشكلات نفسية، نظرته فيها الأنا (ego) لدينا، الغرور لديه وفكرة الأنا عالية متضخمة، طريقة حله للمشكلات بطريقة مثلاً تكون فيها عدوانية (aggressive)، كل هذه الأمور تؤثر على الأم التي لم تعد مدرسة لأنها موجودة في ظل بيئة تكون ضاغطة. فأقول دائماً: إذا كان الرجل سوياً، صدقيني قد تضبط الأمور. ولكن أحياناً تكون المرأة سوية والرجل في وادٍ آخر، فتصبح الأمور أعقد لدينا. فتأثيرهما… طبعاً أنتِ موجودة في بيئة موبوءة كلها مشكلات، بالتأكيد ستتأثرين. لكن قدرتك على التأثر، قدرتك على التحمل، تعتمد على ذكائك العاطفي: كيف أدير انفعالاتي، عواطفي، كيف أتكيف، كيف أتقبل، كيف أقبل أن أظل في بيئة كلها خلافات، كيف أحل هذه الخلافات إذا كانت تُحل، وإذا لم تُحل، كيف سأتكيف معها.
د. صابرين الصافي: تمام. أسباب الخلافات الزوجية يا دكتورة كثيرة، تعد ولا تحصى. مؤخراً أيضاً نسمع عن أحد هذه الأسباب: الفجوة العاطفية. هناك فجوة عاطفية بين الأزواج يمرون بها. سؤالي: هل من الطبيعي أن يمر الأزواج بفترة فيها فجوة عاطفية؟ ولماذا تحدث؟ ولأي مدى مسموح أن يكون هناك فجوة عاطفية بين الزوجين؟
د. نهاية الريماوي: نحن عندما يحدث الزواج، بالتأكيد الحياة ستكون مستمرة بأحداث، بتفاعل، بنشاطات، وهذه الأمور هي التي تحرك الحياة الزوجية وتجعل طبيعة الزوجين تظهر. لكن في بعض الحالات تحدث فيها انفعالات كثيرة أو مشكلات كثيرة، فيأخذ الزوجان لحظة، التي نسميها الاستراحة (break)، يجلسون مع أنفسهم، يراجعون أنفسهم، ولكن تكون هذه الفترة معلنة ويحدث لدينا فترة تباعد أو مساحة، هذه تكون صحية جداً. لكن الفجوة العاطفية إذا حدثت بين الزوجين كتحصيل حاصل، يعني حدثت خلافات، بعد الخلافات أصبح هناك حاجز. لأنه تصوري أنني وأنتِ كل يوم نختلف، بالتأكيد نضع حواجز حتى لو كنا نعيش في نفس البيت. فالزوج والزوجة كذلك، إذا حدثت بينهما خلافات، سوف تُبنى الحواجز. وعندما تُبنى الحواجز، سوف يقل لدينا التعاطف أو ما نسميه (empathy)، أنني أصبح أشعر بكِ، أتضايق لمضايقتك، أحزن لحزنك، أحاول مساعدتك، أحاول أن أشاركك، أو تشاركيه كزوجة أو كزوج طبعاً في أدوارهما المختلفة. هنا عندما يُبنى هذا الحاجز مع الوقت، يحدث لدينا فجوة عاطفية. وهذه الفجوة العاطفية في المشاعر، يمكن في السلوك، يمكن في النشاطات، وممكن أيضاً في العلاقة الحميمة، التي هي العلاقة الجنسية. وإذا بلغت ذروتها في العلاقة الجنسية، نحن دائماً أول سؤال نسأله بين الزوجين: كيف العلاقة الجنسية؟ إذا كان فيها فجوة كبيرة، اعلمي أن زواجك ليس بخير. فهي تتوج العلاAGE: العلاقة الزوجية وتكون نتاجاً للتفاهم. لكن إذا مررنا بفترات أو محطات نكون فيها لسنا على ما يرام، فهذا طبيعي. طبيعي أنكِ قد تكونين في هذه الفترة لستِ كما كنتِ من قبل. لا نظل على نفس الرتبة ونفس التسلسل. لا، نحن قد يحدث أحياناً، لهذا السبب نقول يحدث برود، قد أقول إنه من الممكن أن أحد الأطراف يسافر، قد ينشغل بشيء آخر، قد نأخذ مساحة ثم نعود ونجلس ونحل الخلافات التي قد نكون اختلفنا فيها، نرى إلى أين يمكن أن نتفهمها. إذا كانت الخلافات قابلة للحل… هناك خلافات تشعرين أنها مستحيل أن تُحل، فنحن كل يوم ندق الماء وهو ماء، كل يوم لدينا خلافات ولدينا مشكلات ولدينا زعل، ونحن لا نحلها، فقط نكمل هذه الحياة ونمضي بها، ولكن دون أن نكون مرتاحين.
د. صابرين الصافي: ولكن رغم ذلك، نستطيع أن نطمئن الزوجات تحديداً، لأن موضوع الفجوة العاطفية يا دكتورة ربما تتأثر به الزوجات أكثر أو النساء أكثر، نستطيع أن نطمئنهن أنه رغم أنكم تمرون كأزواج بفجوة عاطفية، إلا أنه قد تُرمم حياة الأزواج بعد هذه الفجوة؟
د. نهاية الريماوي: دائماً هناك أمل، لا يوجد شيء مستحيل. هناك أمور قد تكون صعبة، صعبة ولكن ليست مستحيلة. وإذا وصلنا إلى مرحلة أن الطريق مسدود، دائماً هناك طرق أخرى لكيفية إكمال هذين الزوجين حياتهما، بالطريقة التي يتفقان عليها، المناسبة لهما. دائماً هناك أمل. على الزوجة أن تعرف شيئاً، أن الفجوة العاطفية أحياناً تحدث لأن طبيعة الرجل يحب أن ينزوي وقت المشكلة أو الخلاف، لا يحب أن يتحدث. فهو يدخل في كهفه، يدخل في مكان، في عالمه، لا يحب أن يشاركه أحد فيه. الزوجة ماذا تبدأ بالتفكير؟ أنه لا يريد أن يتحدث معي، لا يريد مثلاً أن يحل الموضوع. ولكن عليها أن تدرك طبيعته، تركيبته النفسية، أنه يحب أن يأخذ وقته، يحب أن يكون لوحده، لا يحب أن يناقش وقت احتدام الخلاف. فأعطيه دائماً مساحة، بعد ذلك تتحدثون. فإذا دخلتم في الفجوة العاطفية الجبرية بعد مشكلة، فهذا طبيعي، ولكن لا تطيلوا كثيراً، لأن طول الفترة يولد جفاءً، وعندما يحدث الجفاء، مهما تحدثتِ، العواطف تبدأ بالجفاف، يعني يبطل هناك شعور بالحب، بالاحترام، بأنك موجود، بأنه يرغب في إكمال الطريق معك، لأنه جُرح. وعندما يدخل الجرح بين الزوجين، نصبح نعيش شكلياً دون أن يكون الزواج يحقق أهدافه.
د. صابرين الصافي: “تحرري”، “اطلقي”، “لستِ مضطرة للصبر”، “اتركيه”، “انظري إلى حياتك”، “انتبهي لنفسك”، “أحبي نفسك”. دكتورة، هذه المصطلحات التي نسمعها أيضاً، سواء من مختصين أو من غير مختصين، إلى أين ستأخذنا أو إلى أين ستأخذ المرأة؟
د. نهاية الريماوي: “الترندات” التي ظهرت، ربما كانت موجودة على وسائل التواصل الاجتماعي، وقبل وسائل التواصل الاجتماعي، من خلال المناداة بتحرير المرأة، وكأن المرأة عبدة وتريد أن تتحرر. هذه كلها أفكار مغلوطة كان الهدف منها أن يروا كيف سيصبح المجتمع إذا كانت المرأة بهذه الصورة. التركيبة المجتمعية، بصراحة، خربت عندما صرنا نغير في أدوار المرأة وأدوار الرجل. أنا لا أقول إن المرأة عندما تقوم بأدوارها هي ضعيفة، لكن إذا قامت بها ونحن نطور أنفسنا… يعني المرأة لم تكن كما كانت قديماً، كانت تعمل حسب المعطيات. عندما كانت تذهب وتشارك مثلاً مع الرجال في الحروب، حتى في السياسات، في القرارات، كانت موجودة. لكن أغلب النساء يملن إلى موضوع الرعاية وتربية الأبناء، وهذا الدور لم يعد كافياً للمرأة. أنا يعني، متفهمة لمتطلبات العصر، لكن نريد أن نواكبها قليلاً، لا أن نأتي ونخربط الأفكار عند المرأة. “تحرري” لأنه إذا تحكم فيكِ الرجل، فأنتِ تدمرتِ. “من أول يوم لا تجعليه يتحكم فيكِ”. هذه الأفكار بالتأكيد خاطئة، لأنها لم تُبنَ على أساس سوي، ليس على أساس وعي بأنكِ موجودة مع الرجل جنباً إلى جنب. أنا لا أتحدث بموضوع المساواة، أنا أتحدث دائماً بموضوع العدالة، أنك تنظر إلى احتياجاتي، كم أستطيع أن أتحمل، ما الذي أقدر أن أقوم به، وتتعامل معي على هذا الأساس. أنت نفس الشيء، هنا توجد عدالة، أنك لديك احتياجات ولديك قدرات، وتستطيع أن تتعامل بناءً على احتياجاتك وقدراتك، هنا أنت يعني، في علاقتنا عدالة. لكن إذا أنا طالبت بالمساواة وبأنه “تحرري” وأنه “لا يجب أن يتحكم فيكِ”، نحن هنا نكون قد خربطنا هذا الكيان، الذي هو طبيعة الرجل والمرأة. ولو خلقنا الله كلنا نفس الشيء، لماذا خلق رجلاً وخلق امرأة؟ لأن كل واحد له دوره، له طبيعته. لكننا نقول إننا في عصر يتغير، لا نريد أن نظل بنفس الشكل منذ الإنسان الأول، نرى كم أن الدنيا تتغير، ولكن لا نغير في الطبيعة، في الفطرة. المرأة دائماً تبحث عن الاهتمام ودورها الرعاية، الرجل يبحث عن التقدير، يبحث عن أن يكون هو المسؤول أو هو الذي يحمي أو هو السند. لا يعني ذلك أن المرأة ضعيفة، على فكرة، ولكن على الأقل يخفف الحمل على المرأة، وتصبح المرأة تتصرف بطريقة متقبلة لدورها. عدم تقبلكِ لدورك البيولوجي والطبيعي والفطري، وإصراركِ على أن تخرجي منه من خلال هذه الشعارات التي لا تناسب أصلاً مجتمعنا، وربما حتى في الغرب نحن لا نراهم بخير. فنحن نرى أن المرأة تكتئب، ونسبة الاكتئاب لديهم عالية، ونسبة الانتحار لديهم عالية، لأن المرأة تشعر بنفسها وحيدة، يعني تشعر بنفسها أنه بلا معيل، بلا زوج، بلا أي شيء قد يؤثر على شعورها بالأمان. الآن، شعور الأمان قد يعطيه الرجل بطريقة، والمرأة تعطيه شعور أمان بطريقة أخرى. فنحن نكمل بعضنا، ليس بمعنى أننا ناقصون ونكمل، لا، يعني هناك شيء يضيف إضافة. تصوري أنكِ بكيانكِ تفعلين الأشياء التي تحبينها، بدون أن يكون الرجل متسلطاً طبعاً. يعني أنتِ تدرسين ما تحبين، تعملين في المكان الذي تحبينه، متفاهمين بطريقة أنكِ تتعاملين بطريقة متفاهمين فيها مع بعض، لا يجبركِ وأنتِ تتمردين. هذه الطريقة طبعاً، نحن نتحدث فيها، هي علاقة غير سوية، وبالتأكيد تؤدي بالتالي إلى الطلاق. فلا نريد أن ندخل في هذا الفكر، نريد أن ندخل بطريقة “لي دوري”. وهنا يأتي يا دكتورة دور أن المقبلين على الزواج يفهموا أدوارهم. أنا ما هو دوري كزوجة؟ أنا ما هو دوري كزوج؟ هل نحن متقبلون لهذه الأدوار؟ ماذا لو زوجتك قالت لك: “أنا أريد أن أعمل”، وأنت رافض لهذا الشيء؟ هل هذا الخلاف يمكن حله؟ إذا كانت لديك خطوط حمراء، لا تدخل في الزواج أصلاً من امرأة تبحث عن هويتها بالعمل. أيضاً، جزء من هويتنا هو أن نكون ليس فقط بالأمومة، بل بالعمل، بالعلاقات، في كل مكان لي طريقة للتفاعل تكون حسب احتياجاتي، ولكن تكون مبنية على الأساس السليم والسوي.
د. صابرين الصافي: يعني هي رسالة أو دعيني أقول يعني، نوجه النساء بأنه لا تتأثرن بهذه، دعيني أقول، التوجيهات التي هي “تحرري” و”ليس هناك داعٍ للصبر”، لأنها تؤدي إلى الضياع.
د. نهاية الريماوي: تؤدي إلى الضياع، لكن لا يعني ذلك أنها تتخلى عن أحلامها وطموحاتها. يعني تكون فاهمة وواعية. يعني أحياناً أنتِ عندما تعطي تعليمات لشخص غير واعٍ، سيأخذها بأنه “حافظ وليس فاهماً”، ولكن عندما يكون فاهماً، سيستوعب ما تقولينه، ويستوعب بأن هذه النداءات قد تؤثر عليكِ سلباً. بالتأكيد، نحن نريد أن تكون المرأة متحررة بطريقة سوية، بالتأكيد نريد أن تكون المرأة سعيدة بطريقة سوية، ونريد أن يكون الرجل أيضاً، نحن أيضاً لا نريد أن نظلم الرجال. الرجال أحياناً بحاجة إلى أن ننصفهم، وأن نجعلهم يعيشون بالطريقة التي تتواكب مع طريقة تفكيرهم في ظل بيئة آمنة لهم. تصوري أنه يؤمن بطريقة وزوجته تؤمن بطريقة أخرى، هنا تأتي الخلافات، وهنا يحدث لدينا استحالة أن يكملا مع بعض، وتبدأ لدينا المشكلات والخلافات الزوجية. لكن طريقة التفكير عندما تكون قريبة جداً من بعضها، ونحن نعرف أننا نفكر بطريقة تصب في مصب واحد، بالتأكيد يكون الزواج سوياً وسعيداً ويحقق الهدف منه. أنا أريد أن أتزوج ليكون هناك شخص معي داعم، مشارك، محب، هناك شخص موجود بجانبي. تصوري أنكِ عندما تشعرين بالوحدة، أو شعوركِ بأنكِ وحيدة، هناك الكثير من الأزواج موجودون مع بعضهم ولكن يشعرون بالوحدة. وهم أصلاً ليسوا قريبين من بعضهم، ربما تخبئ عن زوجها أكثر مما تخبئ عن العالم، وهو أيضاً يخبئ عن زوجته أكثر مما يخبئ عن أي شخص في الخارج. ربما الناس في الخارج يعرفون أكثر من الذين يعيشون مع بعضهم. فيجب أن نعرف أن هذه مؤشرات لزواج غير سوي، غير ناجح، وبالتالي أنتِ لن تكوني شخصاً سعيداً في ظل هذه الظروف وهذه المعطيات.
د. صابرين الصافي: تمام دكتورة. نريد أن ننتقل من الأزواج إلى الأبناء، وبالتأكيد الخلافات الزوجية تؤثر على الأبناء، الأطفال والمراهقين وحتى الشباب، يعني بالتأكيد يؤثر عليهم أي خلل يحدث في الأسرة. مؤخراً ينتشر على مواقع التواصل الاجتماعي سلوكيات لأطفال، والمجتمع يجلدهم أنه “معقول أنتم تتصرفون بهذه الطريقة؟ معقول الأطفال؟ معقول هذا الجيل يتصرف بطريقة وكأن طفلة عمرها ثلاثون سنة أو طفل وكأنه عمره أربعون سنة؟”. مثلاً مؤخراً انتشر مقطع لطفلة متأثرة بغناء أحد الفنانين، وكانت كلمات الأغنية تتحدث عن الحب. سؤالي يا دكتورة، هل الخلافات الزوجية فعلياً تجعل أطفالنا يخرجون على وسائل التواصل الاجتماعي ليعبروا عن مشاعر مكبوتة في داخلهم؟ يعني نحن عادةً نجلد هؤلاء الأطفال أنه “كيف أنت طفل بهذا العمر وتتصرف بهذه الطريقة؟ كيف أنتِ طفلة عمرك عشر سنوات وتغنين أغنية عن الحب؟”. قد يكون هناك منظور آخر أو تحليل آخر للمشهد. من المذنب في هذه الصورة؟
د. نهاية الريماوي: نحن دائماً ربما نشير بالاتهام إلى الأطفال، والأطفال لا ذنب لهم، لأنهم نتيجة وتحصيل حاصل للتنشئة التي نشأوا فيها. الطفل الذي لم يحصل على الأمان في بيئته، يحاول أن يبحث عنه في الخارج، وإذا لم يجده في الخارج، يبدأ بالظهور في سلوكياته، ويظهر في طريقة تفاعله مع الآخرين، ويظهر في شخصيته وربما في تحصيله الأكاديمي. فنحن دائماً نقول إن البيت غير الآمن يجعلنا نرى هذه النماذج. فنحن عندما يأتينا أطفال لنساعدهم على تغيير مثلاً طريقة سلوكهم، أو لديهم مشكلات سواء كانت أكاديمية أو سلوكية مع الآخرين، نحن نعمل على الأهل أكثر مما نعمل على الأطفال، أنه كيف يتعامل الأهل مع بعضهم البعض. ففي موضوع الخلاف، عندما تكون هناك خلافات في البيئة، يعني تصوري أن الطفل يعيش في بيئة تنشب فيها الخلافات وكأنها نار، كم سيكون هذا الطفل محروقاً نفسياً من الداخل؟ فيبحث عن أي فرصة ليعبر أحياناً عن مشاعره. هو يعبر بطريقة عفوية، على فكرة الطفل لا يزال يعبر، حتى في الأشياء السلبية التي يفعلها، في سلوكه الخاطئ الذي يفعله، في تراجعه الأكاديمي، هو يعبر عما يجول في داخله من احتياجات لم تُلبَّ. غالباً البيت الذي فيه أبوان غير متفاهمين أو يعانون من نسبة خلافات عالية تفوق التوقع، يظهر ذلك في سلوك أبنائهم. فنحن عندما نرى، لا نريد أن نوجه الاتهام للأطفال، نريد أن نرجع إلى البيئة التي كانت محفزة لظهور مثل هذه النماذج. وطبعاً يؤلمنا، طبعاً أنا أتألم عندما أرى أطفالاً يتصرفون بهذه الطريقة. دائماً أقول: “أن نبني أطفالاً أقوياء خير من أن نصلح رجالاً محطمين”. هؤلاء الرجال المحطمون هم الأم والأب الذين أنشأوا أبناءً بحاجة أحياناً إلى أن نعمل عليهم من الطفولة. والبيئة تلعب دوراً كبيراً، دائماً أقول: البيئة ثم البيئة ثم البيئة. الطفل الذي يتصرف بهذه الطريقة أو لديه أي سلوكيات غريبة هو نتاج التنشئة الوالدية.
د. صابرين الصافي: يعني دكتورة، موضوع الأطفال، وأنا على الصعيد الشخصي ربما يؤلم، يعني يجعلكِ تقولين فعلياً ما ذنب الأطفال أن يصلوا إلى هذه المرحلة من الحرمان العاطفي أو المشكلات التي أدت إلى أن يكونوا بهذه الصورة التي لا تشبه طفولتهم ولا براءتهم ولا أعمارهم؟ أحب أن أسمع منكِ رسالة فعلياً للأمهات والآباء فيما يتعلق بتجويع أطفالهم عاطفياً.
د. نهاية الريماوي: الفكرة يجب أن تأتي قبل أن ينجبوا الطفل، أن يكونوا فعلاً مستعدين عاطفياً لتربية طفل سوي. يعني أحياناً كنا نرى، وأنا أتذكر وأنا صغيرة كنت أشاهد مسلسلات أجنبية، كنت أرى أن الزوج والزوجة يسألان بعضهما: “هل أنتِ مستعدة؟” (Are you ready?) “لإنجاب طفل؟”. لماذا يسألون؟ نحن لدينا يصبح الأمر تحصيل حاصل، يأتي عدد أبنائهم ربما كانوا قديماً ستة وسبعة، لا، صار هناك وعي بأن ينجبوا طفلاً أو طفلين. ولكن قبل أن تنجب الأطفال، اسأل نفسك: هل أنت جاهز أصلاً لتربية طفل، لتلبية احتياجاته؟ هل البيئة آمنة حتى أربي هذا الطفل؟ وإذا لم تكن جاهزاً، استعن أيضاً، يعني اعمل على نفسك، اضبط علاقتك، اضبط الأساس. في حال جاء الأولاد وحدث لدينا هذا الحرمان العاطفي وهذا الألم النفسي الذي يتعرض له الطفل، يجب أن نبدأ بأنه على الأقل الخلافات لا يراها الأطفال. يعني نحن مختلفون، لن نمثل أننا جيدون لنظهر أمام أطفالنا أن الدنيا بخير. لا، دعوهم يرون بعض الخلافات التي قد تكون طبيعية، حتى يعتاد الطفل أن الحياة لن تكون وردية دائماً. لكن الخلافات الجوهرية، أنا أتحدث عن المختلفين على أشياء قد تكون لها علاقة بطبيعة علاقتنا الزوجية، الأطفال لا يجب أن يروها، ليس ذنبهم. فعندما تكون تشركهم في هذه الخلافات، لا تستغرب عندما يأتي طفلك ويركض ويقول: “أرجوكم ساعدوني!” أو “لماذا ابني أصبح هكذا؟” أو “ابني في المدرسة…”، وتبدأ بإلقاء اللوم على المدرسة وعلى الأطفال وعلى المتنمرين. ما هي التنشئة الوالدية هي التي فعلت هذا الشيء الذي له نتائج طبعاً وله عواقب. يعني هذه العواقب لا تأتي هكذا إلا إذا كان لها مقدمات، التي هي العلاقة الزوجية غير السوية، والخلافات، وعدم قدرتنا على حل هذه الخلافات بطريقة سوية.
د. صابرين الصافي: دكتورة، بناءً على ما قلتِه، هؤلاء الأطفال سيصبحون شباباً ويتزوجون، سواء كانوا بناتاً أو ذكوراً. عندما يتزوجون، بالتأكيد سيمرون بمشكلات مع زوجاتهم أو مع أزواجهم مرتبطة بالمشكلات التي تخزنت في ذاكرتهم في طفولتهم. كم هو صعب الموضوع، أن يحمل الطفل هذه العقد النفسية حتى يتزوج ويبدأ بتطبيقها على زوجته، أو البنت عندما تتزوج وتطبقها على زوجها؟ صعب، صحيح؟
د. نهاية الريماوي: طبعاً صعب، وخاصة أن الدماغ يخزن كل شيء بطريقة دون أن نقوم بفلترتها. حتى بعض الأطفال عندما يكبرون، يكونون رافضين لسلوك آبائهم وأمهاتهم، ونجدهم عندما يعيشون نفس الدور يتصرفون بنفس الطريقة. لماذا؟ لأن الدماغ خزن النمط. يعني رأى المشكلات، من الممكن أن الرجل الذي رأى أمه تُهان أمامه، يعود ويكرر نفس الصورة مع زوجته، مع أنه وهو طفل كان رافضاً لها. لكن تأثر الدماغ، دائماً يستنسخ كل شيء يراه أمامه حتى لو لم يعجبه. قد تصبح طريقة التعامل أيضاً بطريقة لا إرادية وغير واعية. لكن الشخص الذي يعمل على نفسه، لا يجعل هذه النماذج أو هذه الصور التي تخزنت في دماغه هي المحرك الأساسي. فدائماً أقول: الوعي، نعمل على أنفسنا. يعني الطفل الذي عاش في بيئة قد تكون بيئة كلها مشكلات وخلافات، قد يكون أفضل زوج في المستقبل، ولكن إذا عمل بوعي. ولكن إذا ترك نفسه دون أن يعمل على نظام الوعي واللاوعي لديه، سيعود ويكرر نفس السلوك. كم من آباء كانوا سيئين مع أبنائهم، وخرج هؤلاء الأبناء بنفس الطريقة مع أبنائهم أيضاً، وتُعيد الكرّة نفسها. ولهذا السبب نحن نقول، عندما تشعر بنفسك أن هذه العقد النفسية التي أخذتها وأنت طفل ليست بإرادتك، تستطيع أن تتخلص منها بإرادتك، بالوعي. إذا لاحظت أن هناك أشياء تظهر عليك لا تتحكم فيها، الآن نحن الحمد لله، الصحة النفسية تزدهر في بلادنا، ونرى أن الناس تقبل عليها. لأنه، لماذا أظل أعاني إذا كنت أستطيع أن أتعلم النتيجة، أستطيع أن أقرأ أفكاري، أرى كيف يعمل دماغي، ما هي المعتقدات المشوهة لدي وأعمل عليها، ونتعلم أساليب للتعبير عن مشاعرنا، ونرفع نسبة ذكائنا العاطفي؟ ليس خطأً أن تعمل على نفسك فيها حتى قبل الارتباط وقبل الزواج. فالذين عاشوا في بيئات غير آمنة، نريد أن نطمئنهم أنه ليس شرطاً أن تكرر البيئة وتأخذ هذه العقد معك في حياتك اللاحقة. تستطيع أن تتخلص منها وألا تكون سجنك الأبدي أو سجنك الذي ستعيشه طوال عمرك، لأنك عشت حياة لم تخترها في البداية، ولكن ما يأتي لاحقاً هو اختيارك.
د. صابرين الصافي: الله يا دكتورة، يعني لطيف ومطمئن، وكأنكِ تريدين أن تقولي إن فاقد الشيء يعطيه، ليس دائماً فاقد الشيء لا يعطيه. وهذا مطمئن. دكتورة، متى يفضَّل حل الخلاف بالطلاق، ومتى فعلياً يكون هناك خلاف ولكن الحياة تكمل والأمور تمام والحياة حلوة؟
د. نهاية الريماوي: وتستطيعين إكمال القهوة أيضاً. الخلاف أنا أعتبره ملح الحياة. يعني أنا أرى أن الأزواج يعودون ليحبوا بعضهم أكثر بعد المشكلة من قبل المشكلة. فأحياناً نحن بحاجة لنختلف حتى نرى بعضنا كيف نفكر، كيف يمكن أن نحل مشكلاتنا، كيف أراعي مشاعرك، كيف أهتم بك. فأحياناً الخلافات تساعدنا لنبقى في علاقة صلبة وأكثر قوة. لكن هناك خلافات تُحتمل، وخلافات مقبولة، وخلافات أنا أريد أن أعتبرها هكذا شيء خفيف، يعني جزء من حياتنا. أما الخلافات الجوهرية التي لها علاقة بالهوية، بالكيان، بطريقة التفكير الجوهرية، الخطوط الحمراء أنا أسميها. يعني مثلاً عندما تتعرض زوجة للخيانة أو العكس، هل يا دكتورة ممكن أن تضبط الحياة؟ يعني أنا أقول تمشي الحياة ولكن لا تضبط كما كانت قبل الحدث. أحياناً عندما يكون هناك إهانة وعدم تقبل، مثلاً زوج يريد زوجته أن تعمل وهي تريد أن تخرج للعمل، هنا لدينا خلاف بالهوية، أنك تطمس هويتي، تطمس شخصيتي. فهنا هذه الخلافات يكون حلها صعباً. الآن أغلب الزيجات تستكين الزوجة وتجلس من أجل الأولاد والعائلة وأننا لا نريد أن نتطلق، ولكنها لا تكون سعيدة وتكمل هذه الحياة، وبعدها تبدأ تظهر لدينا الآلام النفسية والجسدية والاضطرابات والأعراض والمرض والقولون والسكري وما إلى ذلك، سواء على الزوج أو على الزوجة. أنا أقول هذا الكلام، على فكرة، هناك رجال يأتونني مغلوب على أمرهم، واللهِ أرى أنه ليس دائماً الذنب… فيقول لك: “أنا لست قادراً على أن أعيش حياتي بطريقة سوية، زوجتي متحكمة جداً، لا تسكت، تنكد دائماً، لست عارفاً كيف أتعامل معها”. يعني هناك جوانب من الطرفين. لكن أنت إذا أردت أن تكون خلافاتك قابلة للحل، انظر إليها كيف تؤثر على حياتك، يوم، يومين، ساعة. ولكن إذا كانت بشكل مستمر، كل يوم ينق عليّ في هذا الموضوع، كل يوم تتحدث معي بهذا الموضوع، تشك فيّ، تظل تسألني أين أنت، صوّر لي ماذا تفعل. طيب هذه خلافات لم تعد في موضوع أنني وأنتِ مختلفان على مشكلة كيفية توزيع أدوارنا في البيت، من جلب هذه الأشياء، كيف تعاملت مع الأولاد، ماذا أحضرتم… مع خلافات بسيطة. هناك خلافات تكون حقاً عميقة ومتعلقة بالنفس من الداخل، فهذه يكون حلها صعباً إلا بوجود مختص أحياناً أو بذلنا جهداً كبيراً جداً. وإذا كان حلها صعباً، هنا أقول لك: هل تريد أن تظل طوال عمرك في هذا الخلاف وأنت تعيشه؟ فتحمل نتائجه، وكم قدرته على التحمل؟ الله أعلم وقتها.
د. صابرين الصافي: ربما يا دكتورة، يفترض أننا وصلنا إلى السؤال الأخير، ولكن بما أنكِ ذكرتِ موضوع الخيانة، والخيانة سبب رئيسي للخلافات الزوجية، ولكن أحياناً ما يحدث هو أننا نسقط على هذا المصطلح أكبر من حجمه. يعني مصطلح “الخيانة” كبير كمصطلح، ولكن قد تكون المشكلة هي فعلياً تندرج تحت مفهوم الخيانة إنما هي سلوك خاطئ. فكم هو مهم أيضاً أن نوصل لمن يستمعون إلينا، والزوجات تحديداً، أنه قد تُرمم الحياة الزوجية بعد سلوك خاطئ تقول عنه الزوجة إنه خيانة؟
د. نهاية الريماوي: ما نحن نقول، قد تكون التسمية يعني، سلوكيات معينة تحت خانة الخيانة. لكن نحن عندما نتحدث هنا كأخصائيين عن الخيانة، نكون نقصد بها أنه شارك المشاعر والحياة مع شخص آخر دون علم الطرف الآخر. يعني قد يحدث أنك شاركت كل شيء مع شخص آخر في غياب زوجتك أو زوجك. يعني الخيانة قد تكون من الطرفين. هنا نقول إن الثقة تنهار، وأي علاقة لا توجد فيها ثقة لا تسمى علاقة سوية. الآن، هل تُرمم؟ قد نعطي فرصة، قد يتقبل دماغ هذا الرجل أو المرأة ويسامح، ويكون لديهما وعي عالٍ جداً، والطرف الآخر بذل جهداً كبيراً جداً. نعم، تضبط، يعني قد تضبط. لكن في الحالات التي قد تكون مرت علينا، الخيانة كانت من أكثر الخلافات الزوجية التي لا عودة فيها للوضع الطبيعي، أو أن نعود ونرممها بطريقة تكون سهلة، لأنه سيظل أي موقف مثير للشك يعيد الفكرة الرئيسية والمعتقد الرئيسي. هنا نقول إن الثقة عندما تُفقد بين الشخصين، أنتِ عندما تتعاملين مع شخص وتتوقفين عن الثقة به ويصبح لديكِ شك في دماغك ليس بيدك، نتيجة أعماله أو سلوكه أو تكراره لهذه السلوكيات، بالتأكيد تتوقفين عن التعامل معه. فما بالك عندما تكونين تعيشين معه؟ كيف ستسمحين لمشاعرك أن تكون مشاعر طبيعية؟ بالتأكيد لن تكون طبيعية، إلا إذا كان الطرف الثاني… تأخذ وقتاً، دائماً أقول تأخذ وقتاً. الجرح العميق يأخذ وقتاً في التشافي، والخلافات العميقة تأخذ وقتاً في الإصلاح والتشافي، إذا بذلت جهداً وكنت حقيقياً. ولكن إذا لم تكن حقيقياً وكنت تخدع الطرف الثاني، فهي مجرد مسألة وقت وأنتم تقضون وقتاً تخدعون بعضكم فيه.
د. صابرين الصافي: يعني هل كل نهاية خيانة هي طلاق؟
د. نهاية الريماوي: ليس بالضرورة. ما أنا قلت، حسب نوع الخيانة، حسب الطرف الآخر كم يتقبل الموضوع، كم بذل الطرف الذي قام بالخيانة من جهد. قد يكون، كما قلت لكِ، وفي النهاية دائماً أقول لدينا “المرونة الدماغية” (Neuroplasticity)، أن الدماغ لا يظل ثابتاً، بل يغير حتى من تركيبته، من شكله، من تقبله، من طريقته في التفاعل. فالإنسان، الصفة الثابتة لديه هي التغيير. فهناك أناس قد يقولون لكِ: “مستحيل”، وهناك أناس يقولون لكِ: “لا يمكن”. فنحن لا نستطيع أن نعمم، لكن غالباً نحن نتحدث عن مفاهيم تُدمر بين الزوجين، منها الثقة، ويحل محلها الشك. وإذا دخل الشك، هنا ينشأ الصراع الذي نسميه الصراع الأبدي.
د. صابرين الصافي: تمام دكتورة. نريد أن ننهي بجرعة محبة إيجابية. من خلال الاستشارات التي تستقبلينها، اثنان أتيا إليكِ بنية إنهاء علاقة بسبب خلاف معين، ولكن بعد أن أتيا إليكِ وأخذا الاستشارة، بعد ذلك كملت الحياة والأمور كانت تمام، وصار الطلاق موضوعاً ليس في بالهما أبداً. هل تمر عليكِ حالات كهذه؟
د. نهاية الريماوي: يعني يمر هكذا ويمر هكذا. يعني نحن في النهاية، كمختصين في العلاقات وخاصة الزوجية، نحن لا نتخذ قراراً عن أحد. يعني من يأتينا، لا نقول له “طلق” أو “أكمل”. نحن نضيء لهم الضوء، وهم الآن يرون عندما نضيء لهم هذا الضوء، يرون أنفسهم، يرون استعدادهم. قد يكون أحدهم يفكر بطريقة مغلوطة، ربما طريقة التفسير. يعني يصدر منكِ سلوك، أنا أفسره بطريقة مختلفة. نقرب وجهات النظر، نتخلص من التشوهات المعرفية عند كل طرف، نبين الحقوق والواجبات، نبدأ بجعلهم يبذلون جهداً، يفعلون أشياء تقربهم من بعضهم. ولكن أهم شيء نعمل عليه هو طريقة التفسير والتفاعل والتعامل مع بعضنا، حتى نرى أننا أصلاً بيننا نقاط مشتركة أقوى من النقاط التي تفرقنا. يعني النقاط التي تجمعنا أكثر من التي تفرقنا، فيستمر الزواج بالتأكيد. الآن أنتِ تسألينني عن الحالات، الآن صرت بنظرة سريعة، نعم طبعاً هناك حالات، وأكملوا وأنجبوا أولاداً. لكن لا يعني ذلك أن الحياة دائماً وردية، بالتأكيد هناك خلافات تمر، قد يعودون ويشاركوننا فيها في بعض الأحيان، لكن فكرة الطلاق قد تكون قد أُلغيت لأن الفكرة التي كانت مسيطرة أو ربما تأثير الآخرين، أنه قد يكون من الذين حولهم يقولون “لا، أنتما تصلحان لبعضكما، لماذا تستمران هكذا؟”، فأصبحوا لا يدعون أحداً يتدخل لأن لديهم، على سبيل المثال، مستشارهم الخاص الذي يرجعون إليه، وهو يحاول أن يقرب وجهات النظر. وعلى فكرة، نحن في العلاقات الزوجية، نقف مع الطرفين، لا ننحاز إلى طرف حتى لو كان طرفاً نشعر بأنه متضرر أكثر أو أن الآخر هو الذي يسبب الضرر، ولكننا نعطي كل إنسان حقه في هذه الاستشارات، ولا ننحاز لأحد على حساب الآخر. ولهذا السبب، سيأخذ الشخص حقه كاملاً، وسيعرف كيف يحكم بطريقة عادلة، وبالتالي ينظر إلى الموضوع بطريقة ليست قائمة على من المحق ومن المخطئ. لا، بل كل شخص لديه شيء يجب أن يقدمه، وهنا وبهذه الطريقة يُحل الخلاف. لكن في الخلاف، إذا ظللت أركز على أنه هو المخطئ، فلن يُحل أبداً. ولكن من يستطيع حل هذا الخلاف؟ سؤالك الأول الذي سألتِه كان واضحاً: ما هي نيتك؟ إلى أين تريد أن تصل؟ وما هو الهدف؟ هو الذي يستطيع حل الخلاف.
د. صابرين الصافي: يعني، دكتورة نهاية الريماوي، وأنتِ معالجة نفسية وتربوية، شكراً على هذا الكم من المعلومات الثرية في هذا الجانب. ويعني، يا رب ألا تكون هناك خلافات تؤدي، دعيني أقول، إلى الطلاق. وإن وُجد الطلاق، فهو بالتأكيد حل إلهي وحل لكثير من المشكلات التي نمر بها. شكراً لكِ يا دكتورة، ونوَّرتِنا. الله يعطيكِ العافية.
د. نهاية الريماوي: الله يعافيكِ.