في حلقة جديدة من بودكاست “ضيف شريف”، استضاف شريف الفنان الأردني أحمد سرور في حوار عميق وصريح تناول جوانب شخصية ومهنية من حياته، بالإضافة إلى تحليل التحديات التي تواجه الفنانين في الأردن والعلاقة المعقدة مع وسائل التواصل الاجتماعي. الحوار كان مزيجًا من الذكريات، التأملات، والآراء حول الفن، المجتمع، والذات، مع الحرص على احترام الخطوط الحمراء وعدم تجاوزها. في هذا المقال، سنقدم ملخصًا موسعًا يغطي أبرز النقاط التي تم مناقشتها، مع تحليل يعكس أهمية الحوار في سياق الواقع الفني والاجتماعي الأردني.
البداية: طفولة أحمد سرور في الزرقاء
بدأ الحوار بلمحة شخصية عن طفولة أحمد سرور في مدينة الزرقاء، وتحديدًا في حي معصوم الذي وصفه بأنه من أجمل المناطق التي عاش فيها. ومع ذلك، أشار إلى أن الذكريات قد تكون مضللة، حيث تتغير نظرتنا للأماكن التي نشأنا فيها عندما نعود إليها بعد سنوات. على سبيل المثال، تذكر أن مدخل العمارة التي كان يعيش فيها كان واسعًا ومناسبًا للعب كرة القدم، لكنه عندما زار المكان لاحقًا وجده ضيقًا ومختلفًا عما في مخيلته. هذه الملاحظة تعكس كيف تتشكل ذكرياتنا بناءً على مشاعرنا وتصوراتنا في تلك الفترة، وليس بالضرورة على الواقع المادي.
أحمد تحدث أيضًا عن علاقته الحالية بالزرقاء، مشيرًا إلى أن الروابط مع المدينة أصبحت ضعيفة، رغم وجود قرابة له هناك. هذا الانفصال العاطفي عن الماضي يعكس تحولات في حياته الشخصية والمهنية، حيث أصبحت الأولويات مختلفة.
لو لم تكن فنانًا، ماذا كنت ستكون؟
في سؤال خفيف، طلب شريف من أحمد تخيل مسار حياتي بديل بعيدًا عن الفن. أجاب أحمد بطريقة ساخرة، مشيرًا إلى أنه ربما كان سيعمل “سكرتيرًا، ملاكمًا، أو شخصًا يعاني من انزلاق غضروفي”. هذه الإجابة، رغم طابعها الفكاهي، تعكس صعوبة تخيل مسار مختلف، حيث أن الفن أصبح جزءًا لا يتجزأ من هويته.
التجارب الصعبة والقرارات الخاطئة
في جزء أعمق من الحوار، سأل شريف عن تجربة صعبة مر بها أحمد ولا يتمناها لأحد. أحمد كان صريحًا في إجابته، مشيرًا إلى أنه يميل أحيانًا لاتخاذ قرارات سيئة نتيجة تفوق مشاعره على عقله، مما يضعه في مواقف صعبة. ومع ذلك، رفض مشاركة تفاصيل محددة، معتبرًا أن هذه القصص ليست ملكه وحده، بل تشمل أشخاصًا آخرين. هذا الموقف يعكس حساسية أحمد تجاه خصوصية الآخرين واحترامه للعلاقات الشخصية.
عندما سُئل عن طباعه، أقر أحمد بأنه كان عصبيًا في الماضي، لكنه أصبح أكثر هدوءًا مع التقدم في العمر، خاصة بعد سن الثلاثين. وأشار إلى أن هذا التغيير ليس فقط بسبب النضج، بل أيضًا بسبب الإرهاق الذي يصاحب الحياة اليومية.
الحياة الشخصية مقابل الحياة المهنية
تطرق الحوار إلى التوازن بين الحياة الشخصية والمهنية، حيث أقر أحمد بأنه ضحى بحياته الشخصية في بعض الأحيان لصالح عمله. ومع ذلك، شدد على أنه يفضل اتخاذ قرارات تصب في مصلحته الشخصية واستقراره النفسي، حتى لو كان ذلك على حساب الاستقرار المهني. وأشار إلى أن الوسط الفني يتطلب أحيانًا “الطبل” للناس والحفاظ على علاقات مستمرة، وهو أمر يجده مرهقًا وغير مناسب له. بالنسبة له، العمل يجب أن يظل عملاً، وليس مساحة للتزلف أو المجاملات.
عندما سُئل عن كيفية الحفاظ على موقفه في بلد تعتمد فيه الفرص على العلاقات، أجاب أحمد بصراحة: “أنا لست قادرًا”. هذه الإجابة تعكس التحديات التي يواجهها الفنانون في الأردن، حيث الفرص محدودة والنجاح يعتمد بشكل كبير على العلاقات الاجتماعية.
تحديات الوسط الفني الأردني
في جزء مهم من الحوار، ناقش أحمد وشريف واقع الفن الأردني. أحمد أشار إلى أن العمل في الوسط الفني الأردني صعب للغاية بسبب قلة الفرص والأعمال الكبيرة. وأضاف أنه حتى لو حقق الفنان نجاحًا في عمل معين، فإن هذا النجاح لا يتراكم ليصبح رصيدًا يضمن استمراريته في المستقبل، لأن الأعمال ببساطة غير متوفرة.
شريف أعرب عن حزنه لقلة تمثيل الفنانين الأردنيين في مهرجانات عربية كبرى مثل “جوي أوورد” في الرياض، رغم فوز عمل أردني مثل “مدرسة الروابي” بجائزة أفضل عمل مشرقي، بالإضافة إلى تكريم الفنان الراحل هشام يانس. وأشار إلى أن قلة التمثيل تعود إلى ضعف الإنتاج الأردني الذي ينافس عربيًا، حيث يعتمد نجاح الفنانين الأردنيين غالبًا على الأعمال المشتركة أو المصرية.
عندما سُئل عن الحل، أجاب أحمد بأن الأمر يتطلب قرارًا على مستوى الدولة، وليس جهودًا فردية. وأوضح أن الدولة بحاجة إلى استراتيجية لتسويق القصص الأردنية (درامية، تاريخية، أو بدوية) على المنصات العربية والعالمية، مع توفير التمويل اللازم. وأشاد بالأفراد الذين نجحوا في هذا الواقع الصعب، واصفًا إياهم بأنهم “ينحتون في الصخر”.
التيه الشخصي والمهني: هل أحمد سرور ضائع؟
في جزء مؤثر من الحوار، سأل شريف أحمد عما إذا كان قد شعر يومًا بأنه ضائع في حياته، وكيف استطاع العودة إذا كان الأمر كذلك. أحمد أجاب بصراحة صادمة: “أنا لم أعد إلى الآن، نحن إلى الآن ضائعون”. وأشار إلى أنه حتى في مسرحية “آية” المتوفرة على يوتيوب، تحدث عن شعوره بالضياع في سن السابعة والثلاثين، حيث لا يزال غير متأكد مما يريد أن يفعله في حياته. وأضاف أنه يحلم أحيانًا بدراسة الهندسة المعمارية وافتتاح مكتب، لكنه يدرك أن هذه مجرد أحلام بعيدة.
أحمد أوضح أن شعوره بالضياع ينبع من الضغوط المادية التي تجبره أحيانًا على اتخاذ قرارات مهنية بناءً على الحاجة المالية وليس الرؤية الفنية أو الإبداعية. وأكد أن هذا الواقع يؤثر سلبًا على مخيلته، التي يعتبرها رأس مال الفنان. هذه الصراحة تعكس التحديات النفسية التي يواجهها الفنانون في ظل غياب الاستقرار المهني والدعم المؤسسي.
عندما سُئل عما إذا كان قد تعلم من أخطائه، أجاب أحمد بـ”لا”، مشيرًا إلى أن الدرس الوحيد الذي تغير في حياته هو تقليل غضبه. وأضاف أنه أصبح أكثر تقبلًا لوجهات نظر الآخرين، حتى لو كانت سلبية، ولم يعد يحاول إقناع من يكرهونه بتغيير رأيهم. وأشار إلى أنه لا يهتم بمن يتحدث عنه من وراء ظهره، طالما أن ذلك لا يحدث أمامه، لأنه في هذه الحالة سيضطر للدفاع عن نفسه.
شريف تساءل عما إذا كان هذا الموقف يمثل ظلمًا لنفسه، لكن أحمد أكد أنه يدافع عن نفسه فقط عندما يواجه انتقادات مباشرة. وفي سياق متصل، تحدث عن درس مهم تعلمه من تجاربه، وهو ضرورة التعامل مع الأصدقاء في العمل بشكل أكثر احترافية من الغرباء. وأوضح أن العلاقات الشخصية القوية قد تؤدي أحيانًا إلى إهمال الجوانب الرسمية في العمل، مما يسبب تعبًا نفسيًا وخيبات أمل.
السوشيال ميديا: مساحة غير آمنة للتعبير
في جزء جوهري من الحوار، تناول أحمد علاقته المعقدة مع وسائل التواصل الاجتماعي. عندما سُئل عن كيفية التعبير عن نفسه دون الخضوع للانتقادات، أجاب بأن التوازن على السوشيال ميديا مستحيل. وأوضح أن وسائل التواصل ليست مساحة آمنة للتعبير عن الذات أو الأفكار، بسبب سهولة الهجوم والتعليقات السلبية التي قد تؤذي الفرد نفسيًا. وأشار إلى أنه يفضل الابتعاد عن السوشيال ميديا للحفاظ على راحته العقلية، معتبرًا أن الناس يميلون إلى الكلام السلبي ويتعاملون مع الفنانين وكأنهم “روبوتات” بلا مشاعر أو ارتباطات إنسانية.
أحمد شارك تجربة شخصية مؤلمة تعرض فيها لتعليقات مسيئة، مثل تعليق يتمنى “حرق قلب أمه” بسبب محتوى لم يعجب أحد المتابعين، وآخر يحجز له “شقة مفروشة في جهنم” بسبب برنامج قدمه. وأكد أن هذه التعليقات أثرت عليه نفسيًا، خاصة لأن أمه تمثل بالنسبة له خطًا أحمر. وأشار إلى أن السوشيال ميديا تفتقر إلى أخلاقيات التعامل، حيث يتحول الخلاف إلى هجوم شخصي بدلاً من نقاش منطقي.
أحمد أوضح أنه يفضل التعبير عن آرائه في منصات أخرى مثل البودكاست، المسرح، أو الأعمال الفنية، بدلاً من السوشيال ميديا التي يراها “متعبة”.