في عالم يعج بالضجيج الرقمي والنجاحات المصطنعة، يظهر بين الحين والآخر صوت يكسر القواعد، ليس بابتذال أو إثارة للجدل فحسب، بل بفلسفة حياة متماسكة وصراحة قد تكون جارحة. هذا هو عالم قصي أبو علي، رجل الأعمال الشاب الذي حوّل حياته إلى استراتيجية دقيقة، يرى فيها العالم كرقعة شطرنج، والناس من حوله كقطع لها أدوار محددة، والهدف ليس مجرد جمع المال، بل تحقيق رسالة والوصول إلى القمة. في حوار عميق وصريح، يكشف قصي عن العقلية التي تقف خلف الشاب الطموح الذي يراه الجميع على شاشات هواتفهم.
العمل هو الحياة: قانون العشرينات المقدس
يبدأ قصي بتأسيس قاعدته الأولى: “الحياة عمل”. بالنسبة له، لا يوجد وقت للراحة أو الترفيه في مرحلة بناء الذات. يصف فترة العشرينات بأنها مرحلة “الزراعة والنحت”، وهي الفترة التي يجب على الإنسان فيها أن يكرس كل طاقته وجهده لغرس بذور مستقبله. من لا يزرع في هذا العقد، لن يحصد شيئًا في الثلاثين والأربعين. هذه ليست مجرد نصيحة، بل هي القانون الذي يحكم حياته اليومية، حيث يعمل بلا كلل، مؤمنًا بأن العمل لا ينتهي، لكن الحياة تنتهي، مما يجعله في سباق دائم مع الزمن لاستغلال كل دقيقة ممكنة.
الأب الأسطورة والجذور التي تردع
لفهم دافع قصي، لا بد من العودة إلى جذوره. يحتل والده مكانة مركزية في عالمه، فهو ليس مجرد أب، بل “الأسطورة” والقائد الذي زرع فيه مبادئه. يعترف قصي بأن والده كان شديدًا في تربيته، لكنه أدرك مع النضج أن هذه الشدة كانت تبني فيه حصونًا من القيم والأخلاق. هذه التربية هي التي تردعه اليوم عن سلوك الطرق المختصرة أو المشبوهة، حيث يقسم مرارًا أنه لن يُدخل مالًا حرامًا إلى بيته، خوفًا على سمعة والده وتاريخ عائلته. علاقته بأخواته الخمس لا تقل أهمية، فهو يراهنّ “بناته”، ويجد في حنانهن واهتمامهن الملاذ الذي يعوضه عن قسوة عالم الأعمال.
عالم السوشيال ميديا الزائف: سلاح ذو حدين
على الرغم من كونه شخصية مؤثرة على وسائل التواصل الاجتماعي، إلا أن قصي يحمل نظرة نقدية حادة لهذا العالم. يصفه بـ”العالم الافتراضي الكاذب”، حيث يدعي 99% من المؤثرين المثالية والتدين بينما حقيقتهم مختلفة تمامًا. ينتقد بشدة تحويل الدين إلى “محتوى” فارغ، وظاهرة “أحكام التيك توك” التي يراها مهينة وتقلل من قيمة الإنسان. مع ذلك، هو لا ينكر قوة هذه المنصات، بل يعتبرها “سلاحًا ذا حدين”، ويكمن الذكاء في كيفية استخدامه. فهو يوظف الخوارزميات والتسويق الذكي ببراعة للوصول إلى أهدافه، ولكنه يرفض أن يشارك في “مسرحية الزيف”، مؤكدًا أن ما يظهره على الشاشة هو انعكاس لحقيقته.
الغربة كضرورة: فضيلة العزلة وصناعة الذات
كان قرار السفر إلى دبي نقطة تحول مفصلية في حياة قصي. يوضح أن الهدف لم يكن البحث عن فرص مالية أفضل فحسب، بل كان الهروب من المؤثرات الاجتماعية والضوضاء المحيطة به في الأردن. يصف “الغربة” بأنها الحالة التي يتفرغ فيها الإنسان لنفسه بعيدًا عن دائرة معارفه. في هذه العزلة الاختيارية، تمكن من التفكير بوضوح، ووضع استراتيجياته، والتركيز على أهدافه دون تشتيت. هذه التجربة علمته أن النمو الحقيقي يتطلب أحيانًا الابتعاد عن منطقة الراحة، ليس جغرافيًا فقط، بل اجتماعيًا وفكريًا أيضًا.
استراتيجية القائد: بناء الجنود وفن التسويق الذكي
تتجلى عقلية قصي الاستراتيجية في تشبيهه للحياة برقعة الشطرنج. هو “الملك” الذي يصمم خطته، ووالداه هما “القلعتان” الحصينتان، أما فريقه فهم “الجنود” الذين يختارهم بعناية. لا مكان في فريقه إلا لمن يشاركه نفس الشغف والولاء. يؤمن بأن بناء “مجتمع” (Community) قوي هو أساس النجاح المستدام، وهو ما يطمح لتحقيقه ليصل يومًا ما إلى منصب “وزير الشباب”. أما عن أساليبه التسويقية التي يراها البعض مستفزة، فيعتبرها جزءًا من اللعبة، فطاقة الجذب التي يمتلكها والتخطيط الذكي هما ما يجعله دائمًا في صدارة المشهد.
الخاتمة: اخرج من المصفوفة
في نهاية المطاف، تتلخص رسالة قصي أبو علي في دعوة جريئة للشباب: “اخرج من المصفوفة”. هي دعوة للتحرر من القيود العقلية والبيئات السلبية التي تقتل الطموح. يحث الجميع على عدم البحث عن المال كغاية، بل السعي ليكونوا الأفضل في مجالهم، وعندها سيأتي المال تبعًا. قصته ليست مجرد رحلة شاب طموح، بل هي دليل عملي على أن النجاح في هذا العصر يتطلب مزيجًا من العمل الشاق، والولاء للجذور، والذكاء في التعامل مع الأدوات الحديثة، والأهم من ذلك كله، الشجاعة لتكون مختلفًا وتتبع استراتيجيتك الخاصة على رقعة شطرنج الحياة.