بودكاستعلى هدى

هل وجدت لذة القرآن؟ استمع واكتشف مع الدكتور عمر حيدر | بودكاست على هدى

في خضم صخب الحياة وضجيج التحديات اليومية، يبقى هناك كنزٌ خالدٌ ينير القلوب ويهدي النفوس، كتابٌ أنزله الله تعالى ليكون رحمةً للعالمين وهدىً للمتقين، إنه القرآن الكريم، ذلك النور المبين الذي وصفه ربنا بأنه {كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدّبروا آياته وليذكر أولو الألباب}. لم يكن القرآن مجرد كتاب يُقرأ، بل هو دستور حياة، وميراث نبوي، ومصدر عزة ورفعة لمن تمسك به.

في هذه المقالة، نأخذكم في رحلة تأملية عميقة لاستكشاف أسرار هذا الكتاب العظيم، حيث سنتناول فضل القرآن الكريم وأثره البالغ على النفوس، مستلهمين قصص السلف الصالح الذين كان القرآن زادهم وحياتهم، مثل صفوان بن سليم الذي كان يتحدى برد الشتاء وحر الصيف ليجد لذة التلاوة والتدبر. كما سنبحث في فضل أهل القرآن، وهم أهل الله وخاصته، ونستعرض كيف كان هذا الكتاب مصدر إلهام وتغيير في حياة الصحابة والتابعين. وأخيراً، سنقدم رؤية عملية لكيفية جعل القرآن رفيقاً يومياً في حياتنا، ليس فقط بالتلاوة، بل بالتدبر والعمل.

فلنبدأ هذه الرحلة الإيمانية، متسلحين باليقين بأن القرآن هو مفتاح السعادة في الدنيا والفلاح في الآخرة، فهل من مذكر؟

تقسيم البودكاست

المقدمة (0:00 – 4:27) : التعريف بالموضوع، قصة صفوان بن سليم، والترحيب بالضيف الدكتور عمر حيدر.

فضل القرآن الكريم (4:27 – 11:33) : الحديث عن عظمة القرآن، أشعار الشاطبي، وتعليقات حول سورة الفاتحة وأثر القرآن.

فضل أهل القرآن (11:33 – 17:48) : مناقشة مراتب أهل القرآن وفضلهم، مثل الشفاعة، الأهلية، الصحبة، الخيرية، والرفعة.

تأثير القرآن على الصحابة (17:48 – 25:48) : قصص الصحابة وتأثير القرآن عليهم، مثل أبو بكر في حادثة الإفك وعمر في قصة العفو، مع أمثلة من السلف.

كيفية تحقيق التأثير بالقرآن (25:48 – 32:54) : مناقشة كيفية التدبر والتأثر بالقرآن، مع أمثلة من سيرة النبي (مثل تأثره بآية واحدة) والصحابة (مثل أسيد بن حضير وعثمان بن عفان)، وتأثير القرآن حتى على الملائكة والجن والمشركين.

العيش مع القرآن (32:54 – 39:00) : الحديث عن سير الأئمة مثل البخاري والشافعي في تعاملهم مع القرآن، وتقديم نصائح عملية مثل التأدب مع القرآن، تعلم التجويد، والحفظ، مع التركيز على أهمية التدبر.

بداية البودكاست

د. محمد العبادي: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله الذي يسّر القرآن للذكر فهل من مذكر، وصانه بلطيف السر فهل من معتبر، كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدّبروا آياته وليذكر اولو الألباب.

وصلاة ربي وسلامه على من جعله آية وبينة دالة عليه، رسول من الله يتلو صحفاً مطهّرة.

احترت في اختيار مقدمة مميزة وأنا أتحدث عن القرآن الكريم شيء صعب، وجدت كتاباً وأنا أُحَضِّر يصف حال السلف، كتاب خاص يصف حال السلف مع القرآن الكريم، مِنْ أَعْجَبِ الأشياء التي رأيتها في هذا الكتاب قصة لرجل اسمه (صفوان بن سُليم) هذا الإمام شخص عجيب وجد لذة في القرآن الكريم تفوق أي لذة قد يعيشها الإنسان، فكان إذا أراد قراءة القرآن في الشتاء خرج على ظهر المنزل حتى يوقظه البرد، وفي الصيف يقوم في منزله حتى يزعجه الحر. عجيب! هذا لا شك أن ما حصل معه لأنه وجد لذّة في القرآن وحلاوة في تدبره وقراءته، اليوم إن شاء الله نجلس على مائدة القرآن، مع ضيفنا العزيز الكريم والحبيب إلى قلبي الدكتور: عمر حيدر عضو رابطة علماء الأردن وإمام مسجد الهادي في وزارة الأوقاف، حياكم الله دكتور.

الدكتور عمر حيدر: حياك الله.

د. محمد العبادي: دكتور القرآن له أسرار، إن له لحلاوة وإن عليه لطلاوة، دعنا نبدأ بشيء من فضل القرآن الكريم وننتقل إن شاء الله بعدها حتى (جزيل) يترك أثر لمستمع هذه الحلقة وإن شاء الله تكون قراءتنا للقرآن الكريم بصورة وقالب مختلف بإذن الله.

د. عمر حيدر: جزاك الله خيراً، الحمد لله الرحمن، علم القرآن، خلق الإنسان، علمه البيان، والصلاة والسلام على الرحمة المهداة، والنعمة المزدة، خير من تلا كلام الله وبينه وجلاه، والذي أمره مولاه بقوله: ورتّل القرآن ترتيلاً.

وصيته القرآن، ميراثه القرآن، حياته القرآن، خُلُقه القرآن، صلى الله عليه وسلم تسليماً كثيراً، هذا القرآن عظمة، هذا القرآن كنز الكنوز، الله جل وعلا يقول: {إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجراً كبيراً * وأن الذين لا يؤمنون بالآخرة أعتدنا لهم عذاباً أليماً}.

القرآن صاحب شرف، وصاحب مجد، {ق * والقرآن المجيد}، {ص * والقرآن ذي الذكر}، كله ثناء على كتاب الله عز وجل، يقول الشاطبي: في (حرز الأماني ووجه التهاني): 

 وإن كتاب الله أوثق شافع          وأغنى غناءٍ واهباً متفضّلاً

 وخير جليس، لا يُملّ حديثه        وترداده يزداد فيه تجملاً 

 وحيث الفتى يرتع في ظلماته        من القبر يلقاه سناً متهللاً

 فيا أيها القاري به متمسكاً          جلاً له في كل حالٍ مبجلاً

هنيئاً مريئاً والداك عليهما             ملابس أنوارٍ من التاج والحُلا

فما ظنّكم بالنجل عند جزائه         أولئك أهل الله والصفوة الملا

أولو البرّ والإحسان والصبر والتقى     حُلاهم بها جاء القرآن مفصّلا

لا يُتصور أن المسلم خالي الزاد، خالي الوعاء من كتاب الله جل جلاله، المسلم زاده القرآن، المسلم حياته القرآن، المسلم خُلُقه القرآن، القرآن كل الحياة للمسلم، هذا القرآن المجيد، الذي جاء ليخرج الناس من الظلمات على النور، تأثيره عجيب، عظمته كبيرة، مهيبة، وفيه جلال ومعاني ومباني، وفيه ما الله به عليم.

د. محمد العبادي: سبحان الله بالأمس وأنا أصلي كنت أقرأ سورة الفاتحة، فتأملت في كلام للإمام الشاطبي، قال: (لا يمل ترداده للإنسان) فكم مرة نقرأ سورة الفاتحة! في كل ركعة نقرأ سورة الفاتحة، لكن كل مرة تقرأها وأنت تحاول أن تخشع، لا تمل قراءة القرآن، ثم أحدث نفسي وأقول: لو بقيت أقول (الله الصمد) لا يمل الإنسان. سبحان الله!

د. عمر حيدر: القراءة والنظر في المصحف، أنت ترى أحدهم يمسك المصحف ويقرأ في كتاب الله، النظر في المصحف يورث انكساراً في القلب وتأدباً مع الرب جل جلاله، حتى الصحابة رضوان الله عليهم لمّا وصفوا النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، عند ضحكته الزّاكية، قال أحدهم: (تهلل وجهه كأنه ورقة مصحف) من جمال بشرته وجمال وجهه الشريف، فلمّا كانوا يصفون الشيء الجميل كانوا يصفوه بورقة المصحف، من كثرة حبهم للقرآن.

السيدة عائشة تصفه بأنه (كان قرآناً يمشي على الأرض). وخُلُقه القرآن.

د. محمد العبادي: دكتور حتى نبقى في نفس المحور، نتكلم باختصار عن فضل أهل القرآن.

د. عمر حيدر: أهل القرآن، أهل الله وخاصته، جعل الله عز وجل في الدنيا لأهل القرآن صدور المجالس، وجعل لهم في المساجد صدور المساجد في المحراب أول الناس قارئ القرآن، وجعل لهم في القبر أول القبر، قال صلى الله عليه وسلم: (قدّموا صاحب القرآن) هناك مراتب لأهل القرآن يمكن أن نوجزها بخمس مراتب.

الأولى: الشفاعة: قال عليه الصلاة والسلام: (اقرؤوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه) تخيل أن يأتي يوم القيامة القرآن يشفع لفلان، يقول يا رب كان يتلو كان يقرأ كان يتدبّر كان يعمل.

د. محمد العبادي: تقصد ليس شرط أن أحفظ؟

د. عمر حيدر: لا، حافظ القرآن ممكن أن يكون أجره مضاعف هذه أعلى والقارئ له هذا الأجر بإذن الله.

الشفاعة يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه لم يقل الحافظ فقط.

المرتبة الثانية: الأهليّة: صاحب القرآن محسوب على الله، قال عليه الصلاة والسلام: (أهل القرآن أهل الله وخاصته) هذه خواص الرحمن جل جلاله.

المرتبة الثالثة: الصحبة: من يقرأ القرآن ويتعلم ويصبح ماهراً يكون مع السفرة الكرام البررة، قال عليه الصلاة والسلم: (الماهر في القرآن مع السفرة الكرام البررة). تخيل أن تصاحب الملائكة، مرتبة عالية.

المرتبة الرابعة: الخيريّة: قال عليه الصلاة والسلام: (خيركم من تعلّم القرآن وعلّمه)، هذا مقياس الخيرية الذي وضعه النبي صلى الله عليه وسلم يعدّ شيئاً متقدماً، هذا في مقياس الخيرية شيء عالي.

المرتبة الخامسة: الرِّفعة: قال عليه الصلاة والسلام: (لصاحب القرآن يقال يوم القيامة: اقرآ وارق وتّل كما كنت ترتّل في الدنيا، فإن منزلتك عند آخر آية تقرأها) كل ما أعطيت القرآن كلما القرآن رفعه.

وقال سيدنا عمر: (إن الله عز وجل يرفع في هذا الكتاب أقواماً ويضع به آخرين).

د. محمد العبادي: سبحان الله، من يحصّل القرآن لم يفته شيء، لا في الدنيا ولا في الآخرة، كيف أنه يكون من أهل الله والقرآن يشفع له وهو من خير الناس. دكتور نحن نتحدث عن الذي يقرأ القرآن ويتدبره وفضله، لكن الذي يمارس قراءة القرآن الكريم بشكل يومي، لا بد أن يكون القرآن له تأثير عليه، كما كان للقرآن تأثير على ساداتنا الصحابة والتابعين ومن بعدهم، في قصّة حادثة الإفك لما كان سيدنا أبو بكر ينفق على قريبه (مسطح) ولما تكلم في عرض السيدة عائشة، سيدنا أبو بكر منع عنه العطاء، لكن الله لمّا تاب عليهم وأنزل (وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم) مباشرة عاد وأنفق وصرف له ضعف المبلغ الذي كان ينفقه عليه.

وهناك قصة لسيدنا عمر بن الخطاب يعجبني تعليق الراوي، لمّا خاض شخص في سيدنا عمر وأراد سيدنا عمر أن يأخذ بحقه، فقام رجل ونادى سيدنا عمر قال: خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين. قال الراوي: فما تجاوزها. مباشرة كان الامتثال. فما تأثير القرآن المجيد وكيف نتفاعل مع هذا الكتاب الحكيم؟

د. عمر حيدر: هناك حصر وقصر في القرآن الكريم على الذين يتأثرون، كل شخص يسأل نفسه: هل أنا ممن قال الله عز وجل عنه {إنما المؤمنون الذين إذا ذُكر الله وَجِلتْ قلوبهم وإذا تُليت عليهم آياته زادتهم إيماناً وعلى ربهم يتوكلون}. هل إذا تُلي علينا القرآن وقُرأ علينا القرآن نزداد إيماناً؟ هنا نحن مؤمنون إذا زادنا القرآن إيماناً، إذا أثّر فينا وفي ذواتنا وأفعالنا وأخلاقنا وحياتنا، النبي الكريم عليه الصلاة والسلام يقوم الليل بآية واحدة يرددها ويبكي على الصباح، {إن تعذبهم فإنّهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم}. يرددها ويبكي بأبي هو وأمي عليه الصلاة والسلام حتى أصبح، آية واحدة، فانظر كيف تأثير القرآن الكريم على النبي عليه الصلاة والسلام.

الآن كما وصف النبي وكما ذكرت السنة النبوية الشريفة، يقول عليه الصلاة والسلام: (يأتي على الناس زمان فيه قوم أحداث السنان سفهاء الأحلام يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يقولون من كلام خير البريّة يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرميّة) يعني يخرجون من الإسلام بخفة وبسرعة لأنه لا يوجد ثبات راسخ كالجبال الرواسي، المؤمن الذي يقرأ القرآن ثابت.

د. محمد العبادي: يزيده القرآن هدى.

د. عمر حيدر: أثره عجيب عليه، عندما يكون (أسيد ابن حُضير) رضي الله عنه ذات يوم يتلو في كتاب الله وخاشع ووجل ومتأثر وهو يقرأ بدأت الفرس عنده تحمحم وتضطرب وتتحرك وخشي أسيد أن تنقض هذه الفرس على طفله، ورأى في رواية أخرى قناديل تنزل من السماء فذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم، قال يا رسول الله هكذا وهكذا، فقال صلى الله عليه وسلم: (اقرأ فتلك السكينة تنزلت بالقرآن)، التأثير العجيب الذي جاء على الصحابي الجليل وهو يتلو كلام الله عز وجل في كونه العريض الكون أصبح يتناغم وينسجم ويتفاعل مع القرآن، السكينة تنزل من السماء متفاعلة مع كتاب الله عز وجل لتأثر هذا الصحابي الجليل.

عثمان بن عفان رضي الله عنه وأرضاه يقوم الليل كله بالقرآن كاملاً، يقرأ القرآن في ليلة 606 صفحات وثلاثون جزء 6236 آية، يقرأ في ليلة واحدة، وقال معقباً: (لو طهُرت قلوبكم ما شبعت من كلام ربكم).

هذا التأثير العجيب، عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه، يصلي الفجر بالناس، يقول الراوي: (إذا صلّى بالناس بكى) أحياناً إذا صلى أبو بكر أو عمر الصحابة لا يميزون ماذا يقرأ أبو بكر أو ماذا يقرأ عمر، من شدة البكاء وإجهاشهم في البكاء من تأثير هذا القرآن عليهم، هذا الأمر الذي يجب أن يصل إليه المسلمون أو يصلون على بعضه، في تأثير كلام الله عز وجل عليهم.

د. محمد العبادي: دكتور عندما نأتي على سيرة الصحابة نحن لا نتحدث عن أشياء مستحيلة، أنا شخصياً أعرف إمام مسجد في الأردن قرأ القرآن في ليلة كاملة، لأنه في التوقيت الشتوي صلاة العشاء مبكرة وهناك وقت لصلاة الفجر، وبالسر أعلم بذلك، وهو لم يبح بهذا الأمر، لكن بطريقة ما عرف شخص أنه فعل هذا، نحن لا نتحدث عن أشياء مستحيلة، نرى كُثر يقرؤون القرآن فيتأثر ويبكي ومن خلفه يبكون، قضية الـتأثير بالقرآن لا زالت موجودة ونحن والحمد لله لا نزال نرى آثارها، ما السبيل أن الإنسان إذا قرأ يتدبر بالمعنى يفهم مقاصد الصورة حتى يحصل هذا التأثير أم هو الإكثار من قراءة القرآن أم الجمع بينهما؟

د. عمر حيدر: نريد أن نقتدي بهدي النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الشأن، نقرأ القرآن، نتدبر على مهل تعظيماً لكتاب الله عزّ وجل، وأن هذا رسالة من السماء جاءت إلينا لنتأثر بها (وليدّبروا آياته).

د. محمد العبادي: ونحن في شهر رمضان وهم بعض الناس أن يختم وينتهي.

د. عمر حيدر: القرآن سبحان الله تأثيره حتى ممكن أن يصل إلى غير البشر، مرة النبي عليه الصلاة والسلام عند الكعبة ويقرأ بسورة (النجم) سورة النجم لها وقع خاص فبدأ يتلو عليه الصلاة والسلام والمشركون جالسون والمسلمون أيضاً وهو عند الكعبة يناجي إلهه الأعظم، فقرأ من سورة النجم، عندما وصل إلى أواخر السورة عند قوله تعالى: {هذا نذير من النّذر الأولى* أزِفتِ الآزفة * ليس لها من دون الله كاشفة * أفمن هذا الحديث تعجبون * وتضحكون ولا تبكون * وأنتم سامدون * فاسجدوا لله واعبدوا}. يقول الراوي: سجد المسلمون والمشركون والجن والإنس رواه البخاري من حديث ابن عباس رضي الله عنهما. سجدوا لجمال وعظمة وجلال القرآن العظيم.

د. محمد العبادي: أعظم متأثر بالقرآن سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام.

د. عمر حيدر: ليس هذا فقط، ملائكة كرام يعظمون كلام الله، قال عليه الصلاة والسلام:(إذا تكلم الله بالوحي سمع أهل السماء للسماء صوتاً كجر السلسلة على الصفا) كيف نجر الحديد على الحجر الأملس هذا الصوت، فيصعقون، يغشى عليهم من جلال القرآن، حتى يأتي جبريل عليه السلام، حتى إذا فُزِّع عن قلوبهم يقولون: يا جبريل ماذا قال ربك؟ فيقول جبريل: الحق. فيقولون: الحق الحق، هذا الذي ذكره ربنا في سورة سبأ {ولا تنفع الشفاعة عنده إلا بإذنه حتى إذا فُزِّع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم قالوا الحق وهو العليّ الكبير}.

د. محمد العبادي: سبحان الله.

د. عمر حيدر: التأثير مطلوب، وملائكة كرام يعظمون ويغشى عليهم. مسلمون مشركون إنس جن، يسجدون.

صحابة كرام يعظمون، النبي الكريم عليه الصلاة والسلام يبكي ويتأثر ويجل القرآن، فأين نحن؟ هنا السؤال وهنا العمل.

د. محمد العبادي: هذا يقودنا لسؤال عن مجالات العيش مع القرآن، تقرأ عن الإمام البخاري في سيرته رضي الله عنه، طبعاً هو معروف في اشتغاله في الحديث الشريف لكن كان لا يتجاوز ثلاثة أيام إلا ويقرأ القرآن.

الإمام مالك إمام المذهب المالكي كان يطوي الكتب في شهر رمضان وكان يلتزم كتاب الله عز وجل.

كذلك الأئمة مثل الشافعي كان يروى عنه أنه كان يقرأ القرآن في شهر رمضان مرتين في اليوم، وهذا مشابه للإمام البخاري قالوا إذا دخل رمضان كانوا يقرؤون مرة في اليوم فإذا دخلت العشر كان له ختمة في الصباح وختمة في المساء. كيف نحن نعيش مع القرآن؟

د. عمر حيدر: قبل أن نعقب في المجالات العملية، القرآن يتلى لتمكين البركة بكثرة التلاوة مع أن النبي عليه الصلاة والسلام نهى أن يقرأ القرآن في أقل من ثلاث. حتى يتدبر لمى أوصى الصحابي الجليل لا يقرأ في أقل من ثلاث هذه الآثار مجتمعة تدلنا على قراءة القرآن للختم والحفظ والبركة أما للتدبر فلا أقل من ثلاث.

المجالات العملية التي سألت عنها دكتور محمد الفاضل.

د. محمد العبادي: عندما نطبقه إن شاء الله نعيش مع القرآن.

د. عمر حيدر: إن شاء الله نصل إلى التأثير. ننتقل إلى التأثير: المجال الأول: التأدب معه قال عليه الصلاة والسلام: (لا يمس القرآن إلا طاهر)، بأدب متوضئ وجالس جلسة جيدة لا تضع شيئاً فوق المصحف تعظمه تتأدب معه تمسكه بإجلال لا تضعه على رجلك تمسكه بأدب واحترام وتعظيم.

تعلم أحكام التجويد، وحفظ القرآن الكريم، لأن الحفظ والتعلم يقود إلى التلذذ بكتاب الله عندما نقرأ بشكل صحيح ونعلم ما هذه الآية وعن ماذا تتكلم، وما هذه الكلمة، تعلم أحكام التجويد يعطي جمالية للقراءة. قال العلماء:

والأخذ بالتجويد حتم لازم    من لم يجوّد القرآن آثمُ

لأنه به الإله أنزلا    منه إلينا وصلا

وهو أيضاً حلية التلاوة وزينة الأداء والقراءة.

د. محمد العبادي: حتى أن شيخي وهو يعلمني القرآن لم آت بـ (الهمس) في كلمة (اهدنا) فغضب من قال لي هذه الأحكام التجويدية أصلاً تورث معانٍ عندما تلفظ بالهمس كأنك تطلب من الله من أعماقك، وكذلك في الترقيق والتفخيم كيف أن فرعون علا وتكبّر الراء فيه مرققه في (فِرْعون) كأنها تشير على حجمه الحقيقي، فهذه الأحكام تورث معان للشخص الذي يتدبر القرآن.

د. عمر حيدر: مئة بالمئة، القراءة المتمهلة، كان عليه الصلاة والسلام يقرأ القرآن مترسلاً، يعني على مهل إذا مرّ بآية تسبيح سبّح (سبّح بحمد ربك واستغفره) وإذا مر بآية سؤال سأل عن الجنة مثلاً (إن أصحاب الجنة) يقول ربي إني أسألك الجنة، إذا مرّ بآية عذاب يستعيذ بالله من عذاب الله، (إن جهنم كانت مرصاداً) يقول اللهم إني أعوذ بك من جهنم، هذا التفاعل الإيجابي يعطي أثراً على القارئ. قراءة متمهلة مترسلة.

د. محمد العبادي: آيات الجنة والنار وآيات التخويف، الحق سبحانه وتعالى ذكرها في كتابه للتخويف، فإذا مرّ عليها إنسان هكذا يكون بينه وبين القرآن جفاء، هكذا دكتور عندنا ثلاثة مجالات حتى الآن، قراءته بأدب وتعلم أحكام التجويد وقراءته على مهل (مترسلاً).

د. عمر حيدر: الأمة بحاجة إلى أخلاق القرآن هذا يقودنا إلى المجال الرابع، السيدة عائشة رضي الله عنها وأرضاها عندما سُئلت عن النبي صلى الله عليه وسلم أوجزت بثلاث كلمات، قالت: (كان خُلُقُه القرآن) حتى هناك كتاب الدكتور (محمد عبد الله الدراس) يسمى (دستور الأخلاق في القرآن) شيء جميل يقرأ.

المجال الرابع: تدبُّر آياته والعمل بها وأن نجرب أثر للصحابة رضي الله عنهم أن يكون عندنا ختمتين (مقترح) ختمة للتلاوة اليومية وختمة للتدبر والعمل، يقرأ عشر آيات ويتعلموها ويعرفون ما بها ثم يطبقونها على أرض الواقع فقالوا (تعلمنا العلم والعمل جميعاً)، يكون ختمة للتلاوة وختمة للتدبر واستحضار معاني القرآن حتى يعطينا الأثر في واقع الحياة، هذا الأثر يكون عجيباً في موضوع التدبر؛ لأن الإنسان إذا تدبر القرآن انعكس ذلك على إيجاباً على حياته كما كان الصحابة رضوان الله عليهم، رفرفت راية الإسلام في المشارق والمغارب، لماذا؟ لأنهم كانوا يقرؤون القرآن فيتجاوز تراقيهم ويصل إلى القلب فينتج عملاً صالحاً فينتج تطبيقاً في أرض الواقع، فكانوا سادة الدنيا، نحن الآن إذا قرانا القرآن في هذه الطريقة سنسود، القرآن تعاليمه وبيان مظاهر إعجاز القرآن الكريم.

مرة في موسم الحج، التقيت بالدكتور الداعية (ذاكر نايك) حفظه الله لمّا التقينا قلت له تخصصي تفسير وعلوم القرآن فماذا تنصحني؟ فنصحني نصيحة تكتب بماء العين، قال: القرآن معجِزْ بيّن للناس ذلك. أنت قد تدخل الناس في دين الله أفواجاً من خلال إثبات إعجاز القرآن لهم، لأن هذا القرآن معجزة الزمان.

د. محمد العبادي: وهذا الوجه في الزمن الحالي مهم والله يا دكتور.

 الناس يهمها عندما تسمع أن القرآن الكريم جاء بأمر وهذه حقيقة علمية أثبتها العلم الحديث أنّ الإنسان يزداد إيمانه ويزداد إقباله على القرآن الكريم، يولد لديه حب وشوق لهذا الكتاب الكريم.

د. عمر حيدر: هذا الحب والشوق كما يقول علماء النفس يأتي من شيئين، الخطاب العقلي وهو الإقناع الفكري والذي من خلال ما ثبت له في القرآن، والامتاع الوجداني والعاطفي، تشاهد شخصاً أجنبياً يضع سماعات ولا يعرف من الدين شيء يشغل له أحد الدعاة شيء من القرآن تجده يبكي، لأن تأثير القرآن كان عليه شديد.

د. محمد العبادي: لو تكلمنا عن حال السلف وحال الأمة مع القرآن الكريم، كيف يمكن أن نلخص حال الأمة اليوم؟

د. عمر حيدر: أُنزل القرآن على الأمة الأميّة، يقول لها: انفضي عنكِ غبار التخلف والتبعية، انبعثي للدنيا ونوّري الكون بشعاع التوحيد وسط هذه الظلمات البائسة، كل الناس بحاجة إلى القرآن، المزارع والصانع والطبيب والعالم، القرآن يدعونا إلى الجد وإلى التخطيط، يقول الله عز وجل: {أفمن يمشي مكباً على وجهه أهدى أم من يمشي سوياً على صراط مستقيم}. يقول القرآن مثلاً للتاجر: {يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراضٍ منكم} كله توجيهات.

يقول لمن أراد أن يغش والعياذ بالله: {ويل للمطففين * الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون * وإذا كالوهم أو وزنوهم يُخسرون}. فالقرآن نحن بحاجة إليه كأمّة لأنه إن قدمناه تقدمنا، حتى إذا أردنا أن ننتصر في فلسطين تعلم دكتور صحيفة الغارديان البريطانية فيها عنوان عريض تقول عن شباب أمريكان يبحثون عن سبب ثبات القلة المؤمنة في غزة من خلال القرآن، قبل الحرب الأخيرة على غزة المساجد ممتلئة بالقرآن والحفّاظ.

د. محمد العبادي: حتى شاهدناهم والقذائف على رؤوسهم يقرؤون القرآن، أطفال حفّاظ.

د. عمر حيدر: هذا أغاظ عدوهم، وأشعل فتيل حربهم أيقظ خلايا الشر عندهم فطفقوا يضربون القنابل وما شاكل ذلك، انظر كيف كان تأثير القرآن العجيب على هؤلاء القلة المؤمنة.

من يقرأ كلام الله عز وجل كيف يعلو في الآفاق.

د. محمد العبادي: أتوقع دكتور أن هذا الإقبال من ذمة في المربين وأصحاب التأثير، شاهدت مرة حلقة للقارئ (عبد الحفيظ صوفي) كان يقول أنه أراد أن يتعلم لغة إنكليزية فغضب عليه أبوه وقال له أنت تريد الدنيا عليك بالقرآن وتريد الآخرة عليك بالقرآن فأطعت أمر والدي وأنا الآن في منزلة ومكانة أفضل من أصحاب التخصص الذي كنت أنوي أن اقرأه، ويذكر أنه عندما رجع من الأزهر ويركض نحو أبيه ليسلم عليه فسأل والده ما وردك من القرآن أول سؤال قبل أن يساله كيف حالك، فقال له: في الأسبوع مرة، فقال له آية في كتاب وتغيب عنك أسبوعاً كاملاً، دعنا نوجه رسالة للأب وللأم للشخص التربوي الذين وضعهم الله سبحانه وتعالى في أماكن يرشدون بهم الناس.

د. عمر حيدر: أي غلام لا يتربى على القرآن لن يفلح أبداً، فليكن تركيزنا منصباً على تعليم القرآن الكريم قبل أن نتقن المهارات وما شاكل ذلك، أهل القرآن وأصحاب القرآن متميزون في مدارسهم، أصحاب أخلاق في المجتمع وبارعون ومخترعون، هكذا أصحاب القرآن، نريد أن يدخل القرآن من أدق دقائق العلاقات الأسرية إلى أوسع نطاقات العلاقات الدولية، هكذا القرآن: عزنا وشرفنا ورفعتنا، الخلاصة: هذا القرآن كنز الكنوز إن قدمناه تقدمنا وحكمنا العالم وإن نبذناه وراء ظهورنا نزعت منا راية القيادة وللأسف قاد العالم الظالمون والمفسدون في الأرض والمجرمون.

د. محمد العبادي: جزاك الله دكتور عمر، وحتى نحن في (جزيل) دعنا نأخذ نموذج تطبيقي لأي سورة تختارها من القرآن الكريم

د. عمر حيدر: أطول سورة في كتاب الله، 286 آية، زهراء منيرة سنام القرآن، سورة البقرة، من أطول سور القرآن ومع ذلك عرضت المواضيع عرضاً مفصلاً وهي سورة (الاستحلاف في الأرض) كما يقول العلماء، يقول عليه الصلاة والسلام: اقرؤوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه، ثم قال: (اقرؤوا الزهراوين: البقرة وآل عمران فإنهما يأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان أو كأنهما غيايتان) تظل صاحبها، وفي رواية أو كأنهما قِرْقان من طير صواف باسط الأجنحة تُحاجْ عن صاحبها، الإنسان يوم القيامة يمشي والشمس دنت من رؤوس العباد مقدار ميل تحرقهم ولا تقتلهم فتأتي (البقرة وآل عمران) كالغيوم أو تأتي كالطيور الصافة الباسطة أجنحتها تدافع عن صاحبها.

د. محمد العبادي: تذكرت كيف أن ولداً تعرض لهجوم وجاءت أمه تدافع عنه.

د. عمر حيدر: تشبيه نبوي عبقري، ثم قال عليه الصلاة والسلام: (اقرؤوا سورة البقرة فإن أخذها بركة وتركها حسرة ولا تستطيعها البطلة) أي السحرة، لا يعني بحال هذا الحديث أن تقرأ سورة البقرة أربعون مرة وهو لا يفهم شيئاً منها، ولا يعني أن توضع سورة البقرة بصوت عبد الباسط في العزاء ونحن لا نفهم ما يقرأ، القرآن أُنزل ليتدبّر، فإذا قرأت السورة بهذه الطريقة كانت لنا بركة، فإن أخذها بركة، وتركها حسرة ولا تستطيعها البطلة حتى دكتور إذا دخلت على بيت رأيت فيه الخير ويتسع على أهله وفيه الفرح والسعادة ولا هموم وشياطين وكبت وغم وحزن أعلم أن هذا البيت يقرأ سورة البقرة، من أين هذا الاستدلال؟ من نبينا الكريم قال صلى الله عليه وسلم: (إن الشيطان ينفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة) إذا كان هذا حال البيت ويتسع عليه الخير، فما بالك بقلب وعي سورة البقرة فما بالك في مجتمع فعّل احكام سورة البقرة، حتى فيها اعظم آية في كتاب الله (آية الكرسي) وفيها آيتان كما قال عليه الصلاة والسلام (كنز من تحت عرش الرحمن) إذا كانت تأتيك سبائك ذهب هل هناك من يرفض هذا الشيء! هناك كنز نازل من تحت العرش، خاص لنا، آخر آيتين من سورة البقرة من عند (آمن الرسول…) حتى إذا وصل القارئ إلى قول الله عز وجل (ربنا لا تؤاخذنا عن نسينا أو أخطأنا) يقول الله عز وجل (قد فعلت)، (ربنا ولا تحمل علينا إصراً كما حملته على الذين من قبلنا) يعني تكاليف ثقيلة شرع من قبلنا، نحن أمة محمد صلى الله عليه وسلم شرع يسير مسهّل، يقول: قد فعلت، تقول : (ربنا ولا تحمّلنا ما لا طاقة لنا به) تستعيذ بربنا يقول الله (قد فعلت) تقول: واعف عنّا واغفر لنا وارحمنا ممكن أن يقرأها الإنسان فيقول تشابهت المعاني، لا واعف عنا: محو الذنوب، واغفر لنا: ستر، وارحمنا: إحسان، أنت عندما تقول وانصرنا على القوم الكافرين، يقول الله: (قد فعلت) تخيل الأمة الإسلامية تقول: (فانصرنا على القوم الكافرين) يقول الله عز وجل: قد فعلت، سينصرنا على القوم الكافرين.

د. محمد العبادي: أنا أتخيل وأنت تقرأ دكتور لو الإنسان يقرأ هذه الآيات ويستشعر أنه يناجي الله عز وجل فإن ربنا يقول له: قد فعلت، فإن الإنسان يهيم في هذه الحال. إن شاء الله ربنا سبحانه وتعالى يجعل في قلوبنا ويحرك في قلوبنا نفحات شوق إلى القرآن الكريم حتى يجعلنا من أهله وخاصته.

أعزائي المتابعين لن نختم الحلقة بطريقة اعتيادية سنختمها إن شاء الله بدعاء مع فضيلة الدكتور لو تكرمت علينا.

د. عمر حيدر: الحمد لله حمداً يليق بجلال الله، والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله، اللهم كما أعطيتنا حظاً من وراثة هذا الذكر الحكيم، فاجعلنا ممن هم على حراسته قائمون، والذين هم لهديه مستمسكون، والذين هم يوم القيامة تحت رايته يبعثون، وصلي اللهم على سيدنا محمد وآله والحمد لله رب العالمين.

الحمد لله رب العالمين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى