في حلقة مميزة من برنامج “ضيف شريف”، استضاف الإعلامي شريف الزعبي اللواء الدكتور تامر المعايطة، أحد الشخصيات البارزة في جهاز الأمن العام الأردني، الذي قضى أربعة عقود في خدمة الوطن. تناولت الحلقة العديد من المحاور التي ألقت الضوء على تجربته الشخصية والمهنية، بالإضافة إلى رؤيته لدور الشرطي الأردني وقيم الأمن العام. يقدم هذا المقال ملخصاً شاملاً للحلقة، مع التركيز على أبرز النقاط التي ناقشها اللواء المعايطة.
طفولة متواضعة وتكوين الشخصية
بدأ اللواء المعايطة حديثه بالعودة إلى طفولته في مدينة الكرك، حيث نشأ كابن بكر لوالديه، مما جعله محط اهتمام خاص من والده، الذي كان مدير مدرسة. أشار إلى أن طفولته كانت هادئة، تخلو من “الشقاوة” التقليدية للأطفال، حيث كان يقضي معظم وقته في المكتبة التي كان يجلس والده عند بابها، منغمساً في قراءة الروايات والقصص، وخاصة أعمال أجاثا كريستي التي شكلت جزءاً من تكوينه الفكري. هذه التجربة المبكرة أسهمت في صقل شخصيته وزرعت فيه حب المعرفة والتأمل.
الأمن العام: بيت ومدرسة
عندما سُئل عن جهاز الأمن العام، وصف اللواء المعايطة هذه المؤسسة بأنها “بيتي ومدرستي”، مؤكداً أنها ليست مجرد مؤسسة أمنية، بل فضاء ثقافي وتربوي وحضاري يجمع تنوع الأردن الاجتماعي والجغرافي. أوضح أن الأمن العام يتميز ببيئة فريدة تجمع أفراداً من مختلف المناطق، من إربد إلى معان، مما يعزز الوحدة والألفة بينهم. وأشار إلى أن طبيعة العمل الأمني، التي تتطلب المواجهة المباشرة مع الإجرام والمخاطر، تخلق نوعاً من التضامن والخبرة المشتركة بين رجال الأمن.
الشرطي الأردني: تجسيد للقيم الهاشمية
تحدث اللواء المعايطة عن الشرطي الأردني كإنسان يحمل قيم التسامح والعفو، وهي قيم مستمدة من التربية الهاشمية. أكد أن الشرطي يُربى على مبدأ “خليك هاشمي”، أي أن يكون متسامحاً حتى في مواجهة الشتائم أو الاستفزازات. وأوضح أن الشرطي يتعامل مع الشتائم كجزء من “البدلة” التي يرتديها، معتبراً أنها موجهة للدولة وليس له شخصياً. كما أشار إلى أن كلمة “ضابط” مشتقة من “الضبط”، مما يعني أن الشرطي يجب أن يضبط نفسه قبل أن يضبط الآخرين، وهو درس أساسي في العمل الأمني.
إدارة المظاهرات: ضبط النفس والاحترافية
تطرق الحديث إلى كيفية تعامل الأمن العام مع المظاهرات، خاصة في ظل الأحداث الأخيرة المتعلقة بقطاع غزة. أكد اللواء أن الشرطي الأردني يخضع لتدريب مكثف لضبط النفس، حيث يتم إعداد الضباط للتعامل مع المتظاهرين كمواطنين لهم الحق في التعبير عن آرائهم بموجب الدستور. وأشار إلى وجود “مندسين” في بعض المظاهرات، لكنهم ليسوا بالضرورة ذوي أجندات سياسية، بل قد يكونون أشخاصاً يستغلون التجمعات لأغراض شخصية أو غير قانونية. وأوضح أن الأمن العام يعمل على فصل هؤلاء المندسين عن المتظاهرين الحقيقيين لضمان سلامة الجميع.
التكنولوجيا في خدمة الأمن
تحدث اللواء المعايطة عن استخدام التكنولوجيا في الأمن العام، مثل كاميرات “البودي كام” التي تُركب على صدر الشرطي. أوضح أن هذه الكاميرات تهدف إلى مراقبة أداء الشرطي، ضمان الاحترافية، وحماية حقوق المواطنين. تسجل هذه الكاميرات الصوت والصورة، وتُخزن التسجيلات لفترة محددة للرجوع إليها عند الحاجة. كما أشار إلى مركز القيادة والسيطرة (911)، وهو من أكثر المراكز تطوراً عالمياً، والذي يتيح متابعة الأحداث الأمنية بشكل مباشر وفعال.
موقف إنساني لا يُنسى
من أكثر اللحظات تأثيراً في مسيرة اللواء المعايطة كان خلال أزمة نقص الأكسجين في مستشفى السلط الحكومي خلال جائحة كورونا. وصف كيف حضر جلالة الملك عبدالله الثاني بشكل مفاجئ لتفقد الوضع، مما أثار قلقه من احتمال إصابة جلالته بالعدوى. وبعد ساعات من الحادثة، تلقى اتصالاً من مدير الأمن العام ينقل له شكر جلالة الملك، وهي لحظة إنسانية أثرت فيه بعمق، حيث شعر بالفخر والامتنان على الرغم من المأساة.
التوازن بين القانون والتعاطف
أكد اللواء أن الشرطي الأردني يُربى على شعور أنه جزء من الناس، وليس سلطة فوقهم. هذا المفهوم الفلسفي يعزز فكرة أن الشرطي يقدم “خدمة أمنية” وليس سلطة قمعية. وأوضح أن الشعور بالأمان الذي يتمتع به المواطنون في الأردن، مثل القدرة على التجول ليلاً دون خوف، هو نتيجة هذه الخدمة. هذا التوازن بين تطبيق القانون والتعاطف مع الناس يعكس القيم الهاشمية التي تؤكد على الكرامة الإنسانية.
قرارات صعبة في لحظات حاسمة
روى اللواء قصة قرار صعب اتخذه عندما كان مدير شرطة مطار الملكة علياء، حيث واجه موقفاً يتعلق بشخص أردني مبعد من دولة أوروبية. القرار كان معقداً بسبب الإصابات التي تعرض لها الشخص والتداعيات الدبلوماسية المحتملة. قرر اللواء رفض دخول الطائرة، مما أدى إلى عودة الشخص إلى بلده الأوروبي، حيث حصل لاحقاً على حق اللجوء. هذا القرار، رغم صعوبته، أثبت صحته لاحقاً، مما يعكس التحديات التي تواجه رجال الأمن في اتخاذ قرارات مصيرية.
حماية صورة الأردن السياحية
كمدير للشرطة السياحية، أوضح اللواء أن المواطن الأردني هو السفير الأول لصورة الأردن أمام السياح. ومع ذلك، أشار إلى جهود الشرطة في تسهيل الشكاوى للسياح من خلال منصات التواصل الاجتماعي، مما ساهم في حل العديد من المشكلات بسرعة وكفاءة، مثل قضايا الاحتيال، وحافظ على سمعة الأردن كوجهة سياحية آمنة.
التعامل مع اللاجئين السوريين
في مناقشة تحديات إدارة شؤون اللاجئين السوريين، أشار اللواء إلى نقص التمويل كتحدٍ رئيسي، حيث لم يتجاوز الدعم الدولي 35% من الاحتياجات. كما أكد على مقاومة مشاريع التوطين التي تهدد الديموغرافيا الأردنية. وأوضح أن مخيم الزعتري لم يكن سجناً، بل فضاءً منظماً لضمان توزيع المساعدات بشكل عادل. وأشار إلى أن معدل الجريمة بين اللاجئين كان أقل من المعدل الطبيعي في المجتمع الأردني، مع وجود بعض الجرائم النوعية مثل الزواج العرفي.
العلاقة الأردنية السورية
أشاد اللواء بالعلاقة الوثيقة بين الشعبين الأردني والسوري، مشيراً إلى غياب جرائم الكراهية ضد اللاجئين السوريين على مدار ثلاثة عشر عاماً. كما أبرز تجربة الأردن الفريدة في إشراك اللاجئين في اتخاذ القرارات الأمنية داخل مخيماتهم، وهي تجربة حظيت بتقدير الأمم المتحدة في منتدى عالمي عام 2023.
قضايا غامضة وأحداث لا تُنسى
تحدث اللواء عن الجرائم في الأردن، مؤكداً أنها لا تُغلق ضد مجهول، بل تظل مفتوحة حتى يتم التعرف على الفاعل. وشارك قصصاً مؤثرة، مثل انهيار عمارة في عمان وتفجيرات 2005، التي تركت أثراً عميقاً فيه بسبب الخسائر الإنسانية. كما روى قصة اكتشاف جريمة احتيال من خلال خطأ صغير ارتكبه الجاني، مما يعكس أهمية الخبرة في العمل الأمني.
التعامل مع النافذين والسرية
أكد اللواء أن جهاز الأمن العام يتعامل مع جميع القضايا بسرية واحترافية، بغض النظر عن نفوذ المتورطين. وأشار إلى أن الجهاز يتجنب الفضائح، محافظاً على كرامة الأفراد حتى في القضايا الحساسة.
نصيحة للشباب
في ختام الحلقة، وجه اللواء المعايطة نصيحة للشباب الراغبين في الانضمام إلى الأمن العام، مؤكداً أن الوظيفة الأمنية ليست مجرد عمل، بل اعتناق وعقيدة. شدد على أهمية ضبط النفس، مشيراً إلى أن الغضب يفقد الشرطي سيطرته، ونصح الشباب بتطوير مهاراتهم النفسية لتحقيق النجاح في هذا المجال.
خاتمة
حلقة “ضيف شريف” مع اللواء تامر المعايطة كانت رحلة ملهمة عبر تجربة رجل أمن قضى أربعة عقود في خدمة الأردن. من خلال قصصه الشخصية ورؤيته العميقة، أظهر اللواء المعايطة أن الأمن العام ليس مجرد مؤسسة، بل مدرسة حياة تعزز القيم الهاشمية وتحافظ على أمن وكرامة المواطنين. هذه الحلقة ليست مجرد مقابلة، بل وثيقة حية تعكس روح الأردن وتفاني رجاله في خدمة الوطن.