
في هذه الحلقة، ناقش الدكتور غيث القضاة سؤالاً وجودياً وإيمانياً كبيراً: أين الله في ظل الأحداث الصعبة والمآسي التي تحدث في العالم، خاصة في غزة وغيرها من المناطق التي تعاني من الحروب والدمار؟
تمحور النقاش حول فهم طبيعة الشر في الحياة وكيفية التعامل معه من منظور إيماني، مع التركيز على عدة مرتكزات أساسية:
المرتكزات الأساسية لفهم الشر:
- حرية الاختيار:
- الله منح الإنسان حرية الاختيار، وهذه الحرية هي أساس المسؤولية.
- الشر الذي نراه هو نتيجة لاختيارات البشر، وليس لأن الله غائب أو غير مهتم.
- حكمة الله:
- كل ما يحدث في الكون له حكمة قد نعلمها أو لا نعلمها.
- القصص القرآنية، مثل قصة سيدنا موسى مع الرجل الصالح، توضح أن الحكمة الإلهية قد تكون خفية عنا.
- حياة الدنيا والآخرة:
- الحياة الدنيا هي مرحلة مؤقتة واختبارية، بينما الآخرة هي دار الخلود والجزاء.
- الصبر على المصائب في الدنيا سيجازى عليه في الآخرة.
- الابتلاء والامتحان:
- الابتلاءات هي جزء من اختبار الإيمان، وهي وسيلة لتقريب العبد من ربه وزيادة تقواه.
- الله يبتلي عباده ليرى مدى صبرهم وإيمانهم، وكيف يتعاملون مع المحن.
- الشر ضروري لمعرفة الخير:
- الشر موجود ليكون هناك توازن في الحياة، ولولا الشر لما عرفنا قيمة الخير.
- الضد يظهر حسنه الضد، فالجوع يجعلنا نقدر الطعام، والتعب يجعلنا نقدر الراحة.
- المسؤولية البشرية:
- الإنسان هو المسؤول عن أفعاله، والشر الذي يرتكبه هو نتيجة لاختياراته.
- الله أعطانا العقل والإرادة، وعلينا أن نستخدمهما في الخير وليس في الشر.
أمثلة وتطبيقات:
- قصة أصحاب الأخدود:
ذكرت في القرآن لتوضح كيف أن الصبر على الظلم والإيمان بالله يؤدي إلى النجاة في الآخرة، حتى لو كانت النتيجة في الدنيا مؤلمة. - قصة النبي محمد (صلى الله عليه وسلم):
عانى النبي من الفقر، وفقدان الأحبة، والاضطهاد، لكنه كان دائماً حامداً شاكراً، مما يعلمنا أن الابتلاءات هي جزء من الحياة وليست دليلاً على غياب الله. - أهل غزة:
صبرهم وتضحياتهم درس لنا جميعاً في كيفية الثبات على المبادئ والإيمان بالله حتى في أصعب الظروف.
الخلاصة:
- الله موجود ومدبر لكل شيء، ولكن البشر هم من يتحملون مسؤولية أفعالهم.
- الشر الذي نراه هو نتيجة لسوء استخدام الإنسان لحريته، وليس دليلاً على غياب الله.
- علينا أن نثق في حكمة الله، وأن نصبر على الابتلاءات، وأن نعمل على تغيير الواقع بالأعمال الصالحة والدعوة إلى الخير.
-من الدقيقة 1 حتى الدقيقة 5: منشأ الشر والمسؤول عنه.
-من الدقيقة 5 حتى الدقيقة 7: مرتكزات الحياة.
-من الدقيقة 7 حتى الدقيقة 9.14: حكمة الله في الابتلاء.
-من الدقيقة 9.15 حتى الدقيقة 12.53: حِكَمُ الله في غزة، وقضية الميزان.
-من الدقيقة 12.54 حتى الدقيقة 15.23: المرتكز الخامس في الحياة.
-من الدقيقة 15.24 حتى الدقيقة 16.50: هل خلق الله الشر؟
-من الدقيقة 16.51 حتى الدقيقة 20.55: أين الله فيما يحدث؟
-من الدقيقة 20.56 حتى الدقيقة 28.55: الخير الكائن في الابتلاء.
-من الدقيقة 28.55 حتى الدقيقة 30.00: الأشياء تعرف بأضدادها.
-من الدقيقة 30.00 حتى الدقيقة 34: أهمية الابتلاءات والدعاء في تعزيز القرب من الله وتزكية النفس.
-من الدقيقة 34 حتى الدقيقة 35.5: الأصول الروحانية في الابتلاء وأهمية الدعاء
والقرب من الله.
-من الدقيقة 35.5 حتى الدقيقة 35.56: الامتحانات والابتلاءات كوسيلة للترقي والنجاح في الحياة.
-من الدقيقة 35.56 حتى الدقيقة 38.44: أين الله من القتل والدمار والدماء في غزة؟
-من الدقيقة 38.44 حتى الدقيقة 41.26: حرية الإرادة ومسؤولية الإنسان عن أعماله ونتائجها.
-من الدقيقة 41.26 حتى الدقيقة 44.26: تحمل النبي محمد صلى الله عليه وسلم للابتلاءات كسبيل للقرب من الله وراحة النفس.
-من الدقيقة 44.26 حتى النهاية: ما حصل ويحصل في غزة وسورية، والخاتمة.
بداية البودكاست
محمد العبادي: ظروف استثنائية .. أحداث صعبة ومتزايدة والناس بمقتضى رابطة الدين والإنسانية غير قادرين على تجاوز ما يحصل أو تصرف النظر عن المشاهد الصعبة .. المشاهد الدموية التي تراها يومياً هذا الشيء ولّد شعور الحزن وتعدى إلى الشعور بالإحباط والكآبة. تولد عن هذا كله صرخة تنادي: “يا رب، أين أنت عن الشيء الذي يحصل في غزة وغيرها؟” وحتى نكون على طريق واضحة، هذا السؤال الذي سنستعرضه اليوم ليس سؤالاً استنكارياً بل استفهامياً. نقدر أن نتكلم أن هذا السؤال ليس سؤال سيدنا إبراهيم عندما قال: “ربي أرني كيف تحيي الموتى” .. ثم جاء التأكيد ولكن ليطمئن قلبي. اليوم سنتكلم حول هذا المعنى، يسرني أن أرحب بالدكتور الفاضل الدكتور غيث القضاة. أهلاً وسهلاً بكم وأحييكم.
دكتور، في كل هذه الفوضى والإعلام التي نحياها، هناك صرخة تنادي، هناك سؤال يقول: “أين الله؟” نحاول اليوم ألا نضع إبرة تخدير وندغدغ المشاعر قليلاً. عندما يحضر أي شخص حلقة، أن يسكن قليلاً. نريد أن نضع يدنا على الجرح وأن تحصل هذه الطمأنينة في النهاية. لأجل ذلك يمكن أن نأخذ مبدأ المنطلق من منشأ الشر … ما هو منشأ الشر؟ من المسؤول عنه؟ وما هي المرتكزات الأساسية في تفكيرنا نحو الكون والحياة؟
د. غيث القضاة: شكراً على هذه المقدمة الجميلة، مقدمة دقيقة، سؤال مهم وخطير لا بد أن يكون لدى الإنسان منطلقات ومرتكزات ينطلق منها. هناك خمسة منطلقات أساسية إذا انطلق منها الإنسان سيرتاح كثيراً وسيحاول الإجابة على السؤال في ذهنه. سأحاول التفصيل قدر الإمكان. النقطة الأولى في الارتكاز هي متعلقة بسبب خلق الإنسان … الله سبحانه وتعالى عندما خلق الإنسان كانت الملائكة موجودة مخلوقة … والملائكة سألت سؤالاً مهماً قالت: “يا رب، أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك؟” الملائكة كانت تعتقد أن الموضوع فقط متعلق بالتسبيح والتحميد واستغفار الله سبحانه وتعالى، الله سبحانه وتعالى أجابهم إجابة بليغة وقال: “إني أعلم ما لا تعلمون.”
الملائكة كانت تسأل كيف تخلق هذا الإنسان الذي سوف يقتل ويعمل الدمار ويهجر عشرات الآلاف من الأشخاص وفي سنة كاملة يقتل خمسون ألف شخص .. كيف تخلق هذا الإنسان وتجعله يعيث فساداً في هذه الأرض … فقال تعالى: “إني أعلم ما لا تعلمون.”
عندما خلق الله سبحانه وتعالى هذا الإنسان، أوجد فيه صفة غير موجودة عند الملائكة، أوجد الله فيه صفة حرية الاختيار بمعنى أن الحرية ملازمة للمسؤولية دائماً عند الإنسان. ومن خلال الحلقة، سأحاول أن أقترب كثيراً من الحكمة من خلق الله للإنسان، وحاشى أن نحيط بحكمة الله سبحانه وتعالى لكنني أحاول الاقتراب قدر الإمكان. هذه النقطة هي نقطة انطلاقي الأولى في تفسيرنا. نقطة انطلاقي الثانية تتعلق بفهمنا لمنظومة الحياة والبعث والنشور… الله سبحانه وتعالى عندما خلق هذا الكون خلقه على مرحلتين بالنسبة للإنسان، المرحلة الأولى هي الحياة الدنيا وهي مرحلة قصيرة ومحدودة ونهائية، والمرحلة الثانية هي مرحلة لا نهائية وغير محدودة وممتدة إلى الخلود. فالإنسان إذا فهم هذا المصطلح ارتاح بمعنى أن المرحلة الأولى هي مرحلة عمل، والمرحلة الثانية هي مرحلة ثواب وجزاء وأخذ الحقوق من الشخص الذي ظلم والشخص الذي تجبر والذي قتل وظلم. الله سيأخذ الحق ويعطيه لهذا الشخص عن طريق حسناته والشخص الآخر يعطيه السيئات. هذا التفسير الثاني في تفسيرنا في مسألة الشر.
محمد العبادي: حتى نكون واضحين بشكل متسلسل، المرتكز الأول أن يعرف الإنسان السبب الذي خلق لأجله. المرتكز الثاني أن نتذكر دائماً أن هذه الحياة قصيرة، وهذه أصلاً حياة يتبعها حياة أخرى ألا وهي حياة الآخرة والخلود. والمرتكز الثالث ما هو؟
الدكتور غيث القضاة: المرتكز الثالث، أخي محمد، متعلق بأن الله سبحانه وتعالى لا يفعل شيئاً في هذه الحياة إلا من أجل حمايتنا. هذه الحكمة نعلمها نحن وقد لا نعلمها، وقد يخفيها عنا الله طوال حياتنا. هناك مثال جميل ورد متعلق بقصة سيدنا موسى عليه السلام مع الرجل الصالح. لاحظ أن الله سبحانه وتعالى عندما استعرض القصة ذكر لنا ثلاث قصص: القصة الأولى قصة الغلام الذي قتله هذا الشخص، القصة الثانية قصة خرق السفينة، والقصة الثالثة قصة بناء الجدار بدون ثمن. في هذه الثلاث قصص، الأشخاص الذين كانوا يعيشون، أي الأب والأم الذين كان عندهم الغلام الذي قتل بواسطة هذا الرجل الصالح، ما يكون القصد من تلك الحكمة تراها بعد ألفين سنة مثلاً.
محمد: ممكن بعد آلاف السنين؟
غيث القضاة: نعم، بعد آلاف السنوات .. الله أعلم .. يعني نفس الأشخاص الذين عاشوا المصيبة … الله جعل السفينة تخرق في البحر، لم يكن موسى يعلم ما هي الحكمة. أيضاً قصة بناء الجدار جزء من امتحاننا في هذه الحياة، ألا نعلم حكمة الله سبحانه وتعالى، خيراً كان أم شراً. الفكرة الرئيسية أن يجب أن نوقن أن الله عز وجل لا يفعل شيئاً إلا لحكمة يعلمها. محمد: نقرأ القرآن نحن، وحتى الآن لا نعلم الحكمة. ممكن أن يحصل شيء للإنسان لا يعلم ما الحكمة. وهذه القصص الثلاثة التي حصلت مع سيدنا موسى والتي استغرب منها تقريباً حصلت معه.
محمد: والدة موسى وضعته في الصندوق .. الغلام الذي قتل … فوكزه موسى فقضى عليه، والجدار أيضاً. سيدنا موسى سقى للفتاتين ولم يأخذ أجراً. سبحان الله، حكم تتداخل والإنسان لا يدركها، ولولا الوحي والقرآن الكريم لم نكن نعلمها.
غيث القضاة: لماذا نقول هذه المرتكزات؟ إذا أنت اقتنعت أن الله سبحانه وتعالى له حكمة في كل أمر، ماذا تقول؟ الحمد لله رب العالمين. لذلك سيدنا محمد يعلمنا: “اللهم اجعل عاقبة أمرنا رشداً” .. ما معنى رشداً؟ أي يا رب، كل شيء يحصل معي، أحببته أم لم أحبه: هدم بيتي، قُتلت، شُردت، أصبح عندي لجوء أو نزوح، يا رب اجعل كل شيء يحصل معي أن يكون عاقبة أمري رشداً وخير لي. وقد يكون خيراً لك الآن أو بعد عشرين سنة أو مئة سنة أو في الحياة الآخرة. ونقطة الارتكاز الثانية أن سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام كان يعلمنا: “اللهم ارزقنا حسن التوكل عليك”. ليس التوكل بل حسن التوكل … ما معنى حسن التوكل؟ أي يجب أن تكون موقناً أن أي شيء يحدث معك فأنت في كنف الله ورعايته. فعندما يحدث مع الإنسان مصيبة يتأثر، لأن الإنسان كتلة من المشاعر، وأن تتحمل مصيبتك وتحمد الله. رسول الله يقول: عجباً لأمر المؤمن أن أمره كله خير، أصابه سراء شكر وإن أصابته ضراء صبر، فأنت بكلا الحالتين تكسب .. والمفروض أن المؤمن يعيش بسلام، ولن نكون مثاليين وليس سهلا ذلك بل تحتاج للممارسة وتزكية النفس وتعلم أن كل شيء يحدث معك بأمر الله، فتحمده.
محمد: دكتور أنت تقول هذا الكلام وأنا أتذكر أهل غزة، سبحان الله، يُقتل ابنه أمامه فيقول: “الحمد لله فداك يا الله.” فالله أكرم أهل غزة بهذا الشيء، التسليم والرضى، وكأنه سبحانه وتعالى خبأ له خبيئة وهناك حكمة من ورائها. وقضية غزة في هذا السؤال “أين الله؟” تبرز بعض الحكم، ولو أنه ليس كل الحكم ظاهرة لنا. وكأن التحرير الناتج عن هذا الرضى والصبر والثبات والبطولة عكسي، أي نحن مفهومنا للتحرير أن المهاجم يدخل ويحرر. قضية غزة كأنها بالعكس بدأت من العالم كله لأن الناس تغيرت نظرتها نحو المسلمين وعن أهل غزة والقضية الفلسطينية، وبدأ الخناق يضيق والدائرة أصبحت عكسية. فهذا نتاج هذا الثبات الذي أيد الله سبحانه وتعالى فيه أهل غزة.
غيث القضاة: بلا شك، الإنسان المؤمن لا تُخشى عليه ولا تُخاف عليه، لأنه مؤمن وسيكون قلعة في الصمود والصبر، وقصة في الصبر والتضحيات ليكون مرتاحاً. يعلم هذا المرتكز أن الله سبحانه وتعالى يحبني ويحب الخير، ولا يحصل لي شيء إلا بقدره سبحانه وتعالى. أما المرتكز الرابع فهو مرتكز مهم يجب أن نؤمن به ونمارسه ونستشعره، أن الله لا يأمر إلا بالخير. قل: “أمر ربي بالقسط ـ إن الله نعمّا يعظكم به.” لما أنزل الله الشرائع والسماء رفعها ووضع الميزان. وضع الله الميزان لهذا الكون ووضع العدل والقسط، فالتشريع الإلهي تشريع عظيم.
محمد: نريد أن نفهم قضية الميزان.
غيث القضاة: نعم الآن سأجيبك، الله سبحانه وتعالى لما وضع الميزان قال والسماء رفعها ووضع الميزان أي أن الميزان ثقيل وعظيم لذلك الدكتور فاضل السامرائي قال إن الميزان الذي وضع تكون من ثلاثة منطلقات الأول: هنالك ميزان وضعه الله في عقل الانسان وفي فكرته السليمة يعرف به الانسان الخير من الشر، الصالح من الطالح.
الميزان الثاني في الشرائع التي أنزلها الله سبحانه وتعالى فالشريعة التي أنولها والتعاليم في القرآن وسنة محمد صلى الله عليه وسلم كلها تأمر بالخير نحن نتحدى أي شخص أن يأتي بآية واحدة تأمر بالشر حاشَ لله تعالى وحاشى للنبي ذلك ولم تأتي الشرائع إلا بالخير.
والميزان الثالث: هو ميزان الذي وضعه البشر في حياتهم اليومية من تعاملات تجارية واقتصادية، ويقول السامرائي: حتى يصبح ميزان كامل لا بد أن تعمل هذه الموازين الثلاث
ميزان الله في الشرائع وميزان العقل البشري السليم الذي يتميز به بين الخير والشر وميزان التعامل البشري بين الناس.
ونقطة الانطلاق الرابعة أن الله سبحانه وتعالى دائمًا وضع الميزان والشرائع فيها قسط وفيها عدل للبشرية.
محمد: وأن الله تعالى يستحيل أن يأمر بالشر … حاشاه سبحانه وتعالى ودعنا نذهب إلى المرتكز الخامس.
غيث القضاة: المرتكز الخامس مهم متعلق بمحدودية عقل الإنسان محدودية إدراكه فعقلي وعقلك مهما اعتقدنا أننا نملك أفق واحد إلا أنه محدود على سبيل المثال العين التي نرى بها أقصى مسافة ترى فيها بشكل أفقي تسعون كيلو متر بعد ذلك لا تشاهد أبعد ولا تشاهد الميكروب فتحتاج إلى مايكروسكوب حتى تشاهد فيه الفيروسات أو بعض الجراثيم المسببة للمرض حتى تقرب أربعة آلاف مرة وأحياناً نحتاج إلى تيليسكوب حتى نشاهد نجم في السماء أو مجرات فالله وهبنا العين والبصر لكنه محدود وأيضاً علمنا بحكمة الله محدودة وبقدرته فمن أسمائه واسع عليم يصعب أن يحيط العقل البشري بالله عز وجل.
محمد: هل يمكن أن نعتمد على هذه المرتكزات حتى ننطلق لشيء آخر. الشر موجود في الكون وأنا كمسلم أعتبر نفسياً انطلقت من هذه المرتكزات وأعيش معها كيف أفهم طبيعة الشر أرجو أن توضح لنا ماهية الشر فالمرتكزات التي بدأنا منها مهمة جداً وتورث الطمأنينة في القلب لكن أحب التوسع بذلك كيف ننظر للشر.
غيث القضاة: شكراً لك هذا في الحقيقة معضلة الشر نسميها شيخ الملحدين وكل الملحدين يسمونها صخرة الإلحاد هذه الصخرة التي لا يستطيع أحد أن يجابهها أي شخص تتكلم معه في هذه المواضيع سيصبح ملحد حسب تفكيرهم. يقولون لك أي شخص تناقشه في موضوع الشر سيلحد.
محمد: تقصد أي شخص ستناقشه في موضوع الشر سوف يصل إلى الإلحاد؟
غيث القضاة: هذا تماماً إذا ذهبنا لموضوع الشر وناقشت أي شخص ضعيف الإيمان والتفكير والأفق ممكن أن تلزمه في النقاش.
محمد: فعلاً سؤال مهم دكتور حتى لا سمح الله ألا ينتقل السؤال من سؤال استفهامي إلى سؤال استنكاري. أي هل هناك إله يدبر ويحل هذه المعضلة مهم أن نعلم منك الإجابة.
غيث القضاة: طبعاً، لذلك شيخ الملحدين الألماني كان يقول هذه صخرة الإلحاد في كتاب عنوانه مسألة الإيمان سؤل سؤال مهم في هذا الكتاب لو أردت أن تسأل الله سؤال وأردت أنتسمع الإجابة عليه ما هو هذا السؤال.
السؤال: يا الله لماذا خلقت الشر؟ لماذا خلقت الظلم في هذا العالم؟ لماذا جعلت الشر ينتشر بهذه الطريقة هذا سؤال رئيسي وكل الناس تريد أن تعلم الإجابة عليه سؤال الشر الذي سألته هو مهم لكن هناك ست أصول إذا استوعبناها في مسألة الشر نستطيع أن نفكك المسألة ونقترب من فهمها أكثر ونستطيع أن نتحدث بها ونحاور بها أي شخص يحاول أن يقول مشكلة الشر متعلقة بوجود الله وعدم وجوده وأين الله إذا استوعبنا هذه المسألة أنت ستكون قوي في النقاش وعندك حجة قوية وسترتاح أيضاً.
محمد: حتى إذا خطر في بالي سؤال أين الله يكون عندي إجابة لا أتردد بها وعندما أنظر فعلاً أعلم أين الله فيما يحدث.
غيث القضاة: أول شيء يجب أن نؤمن به أن الله سبحانه وتعالى عادل وحكيم لكن عدله لا يعني الرفق دائماً… الله عادل ورحيم لكنه شديد العقاب أليس كذلك؟
فالله له صفة من صفاته أنه شديد العقاب رغم رحمته وعدله وأنزل الشرائع المليئة بالعدل والإحسان لكنه شديد العقاب ونحن عندما ننظر إلى عدل الله ورحمته كعقل الطفال الثلاثة الذي سأروي لك قصتهم، نحن كيف ننظر إلى عدل الله سبحانه وتعالى.
اجتمع ثلاث أطفال عمرهم ثمان أشهر وخمس أشهر وأربعة أشهر يريدون التحدث مع بعضهم أول طفل تكلم للثاني وهذه القصة خيالية لكن فيها عبرة، الطفل الأول يقول لرفاقه تخيل أبي وأمي كم هم ظالمين وقاسين علي هل تعلم أن بالأمس أخذوني الأسبوع الماضي والذي قبله لآخذ إبرة بشكل دوري وأتألم برجلي وتألمت كثيراً وبكيت وارتفعت حرارتي وأعطوني دواء لخفض الحرارة انظروا ما أقساهم لكن أبويه أعطوه العلاجات حتى لا يصاب بأمراض التيفوئيد والسل وشلل الطفال لحمايته من الخطر.
الطفل الثاني يقول تعلم أن أبي وأمي فعلوا معي ذات الشيء وحتى أفسى من أبويك يأخذوني للمشفى وأجروا لي عملية اللوزتين وتألمت وبقيت في المشفى أسبوع ولا آكل ولكن لم يكن يعلم أن استئصال اللوزتين كانت مشكلة لا علاج لها غير ذلك او يموت أمه عندما كانت تستيقظ في الليل وترى ولدها يختنق لا تعلم ما المشكلة حتى أخذوه للطبيب وكان الرأي استئصال اللوزتين أو موت الطفل فتمت العملية وكانت رحمة بهذا الطفل ولقلب الأم والأب.
الطفل الثالث قال أن أمي وأبي أصعب منكما تخيلوا أن أمي وأبي يحرماني من تسع أنواع من الأطعمة في البيت يأكلونها ويمنعوني منها، والطفل لم يكن يعلم أن الأبوين أدركا في لحظة ما أن أكله للوز يصيبه منه التحسس ويصيبه ضيق في التنفس وقد يموت من ذلك فأدركا في لحظة ما أنه يوجد تسع أنواع من الأطعمة يجب أن نمنعها عنه تماماً فلذلك رحمة الأب والأم بهذا الطفل وهو ينظر إليها أنها قسوة لكنها كانت عين الرحمة ولله المثل الأعلى ذكرنا عقلنا محدود وإدراكنا أيضاً ونضطر أن نورد امثلة حتى تدرك الناس رحمة الله كرحمة الأبوين بهؤلاء الأطفال ونظرة الطفل لسلوك والديه كنظرتنا أحياناً لبعض الشر الذي يحصل في الأرض لله سبحانه وتعالى حكمة في كل ما يحصل.
محمد: إذا أردنا أن نقارن في الواقع ونقول أن الله سبحانه وتعالى قدر أن يقصف أهل غزة حتى يحيي هذه الأمة والأمة يجب عليها أن تدرك هذا الشيء.
غيث القضاة: بلا شك… الإنسان المؤمن يجب أن يفهم هذه الدلائل أنه ما حصل لك من شر إلا هو خير لك مهما كان هذا الشر صعب وقسوة وألم وتهجير كما ذكرنا وقتل ومذابح كسوريا مثلاً لديك مقابر جماعية بالآلاف وأناس عاشوا في سجن أربعون أو خمسون سنة هذا لحكمة أرادها الله سبحانه وتعالى نحن لا نعلمها ويريد الشيطان دائماً أن تكفر من هذه الزاوية وتسأل نفسك أين الحكمة في ذلك لماذا الله فعل فينا ذلك؟ أين الله ليدافع عنكم؟ وهذا سنتحدث به أثناء الحلقة.
محمد: يعني حتى العلماء يقولون إن هذه الأمة والدين لم ينتشر إلا بعد تضحيات كثيرة فالصحابة قدموا أنفسهم وارواحهم وأبناؤهم وأموالهم والكل يعلم كيف كانت بداية الدعوة حتى ثبت الله هذه الأمة وأحياها.
غيث القضاة: جميل… بلا شك أن الله سبحانه وتعالى له عدل وحكمة في كل ما حصل سواء مع الصحابة أو مع في الناس الآن وحتى قيام الساعة وعلى فكرة الكلام لن ينتهِ فهذه الحياة دار عمل وليست دار مستقر سيظل فيها بلاء ومحن وشقاء.
الأصل الثاني في منطلقات تفكيرنا في موضوع الشر أننا مملوكون لله تعالى هذه الحواس التي نملكها أنا وأنت كلها مملوكة لله سبحانه لذلك كان بعض الصحابة يقولون كلام جميل.
عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما التقى بأحد الصحابة وكان هذا الصحابي قدمه قطعت في الحرب ماذا قال له عمر: قال له بعض منك في الجنة يا فلان… انظر كيف ينظرون الصحابة فقد رباهم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وعلمهم (سبقتك في الجنة).
الله سبحانه يقول: (وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون)
أي أننا مملوكون لله أي أنت كلك لله سبحانه وتعالى فلو أخذ الله منك جزءاً هذه لله واستردها، كما لو أخذ ابنك أو ابنتك استرد الله ذلك (إننا إلى الله راجعون) وأن هذه الحياة الدنيا ستنتهي قطعاً يوما ما والآخرة هي دار الاستقرار والخلود وأريد ان أضيف شيء آخر الإنسان الذي لديه مشكلة في عدم وجود حياة آخرة أو ثواب وعقاب ستتضخم عنده أي حسابات لذلك الغرب كثيراً عنده أي مشكلة حدثت معه يقول (لمَ أنا؟) لماذا يا الله هذا السؤال بكثرة موجود عندما يكون الإنسان غير مؤمن بالله وغير موقن بعدل الله وحكمة الله في كل شيء تراه يسأل هذا السؤال لذلك هناك قصة جميلة حصلت مع لاعب تنس عربي أمريكي اسمه آرثر أش عمل عملية قلب مفتوح في أمريكا أثناء العملية بقدر الله نقل له مرض الإيدز بسبب عدم التعقيم ونقل الدم لما خرج من العملية واكتشف ذلك وضع على مواقع التواصل أنه مصاب… سأله أحد المعجبين سؤال لماذا اختارك أنت الله يا آرثر لهذا المرض اللعين، انظر هذا السؤال لشخص ليس لديه إيمان يسأل لماذا اختار الله فلان أو أنا لماذا ماتت ابنتي؟ لماذا هدم بيتي؟ فآرثر مع أنه غير مسلم لكنه قد يكون مؤمن أجابه إجابة ممتازة وعميقة وجميلة، قال له: تعلم قبل أن أكون الفائز في المسابقة كان هناك نصف مليون شخص تأهل لهذه المسابقة للتنس من هؤلاء كان هناك خمسة آلاف شخص من كل عام اقتربوا من الاحتراف من خمسة آلاف أصبح يوجد خمسمئة شخص قدموا إلى المسابقة ومنهم جاء خمسون شخص من كل العالم تأهلوا للنهائي في فرنسا، من خمسون كنت أنا الفائز الأول عندها لم أسأل الله لماذا أنا الفائز وعيب أن اسأل الله لم اختارني لهذا المرض انظر ما أعمق هذا الجواب وأجمله.
في حياتك حصل معك أشياء جيدة وأشياء سيئة لذلك عندما قال الله تعالى في كتابه الكريم: الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون، فأنت مملوك لله سبحانه وتعالى والثانية أنت راجع إلى الله وعائد إليه في دار مستقر وكنت صالح ستدخل الجنة وإذا كنت غير ذلك ستذهب إلى النار.
فهذا المنطلق الرابع في تفسير مفهوم الشر لذلك إذا اعتقدت أن هذه الحياة الدنيا قصيرة وسوف تعود لله سبحانه وتعالى سترتاح كثيراً.
أحد الصحابة قطعت قدمه في معركة ما، قال: يا رب، إن كنت قد أخذت فقد أبقيت وإن كنت قد قطعت فقد وصلت… هذه المعادلة.
صحيح أن الله أخذ قدمه في الحروب أو فقد البصر لكنه أبقى غيره فتشعر براحة لذلك الله سبحانه وتعالى يقول: وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون، فليكن عندك اليقين الكامل في كل لحظة أنك ستعود لله أيها المسافر حقائبك جاهزة سوف تصل لآخر مرحلة قريباً فأنت ستعود لله وإن كنت خيّر ستذهب للجنة بإذن الله وإن كنت تعمل الشر في الدنيا ستذهب للنار كل ذلك أوضحه لك الله سبحانه وتعالى.
الأصل الرابع في التفكير في موضوع الشر أنه يجب أن نوقن بأنه لولا وجود الشر لما عرفنا الخير أي أنت لو لم تجوع لن تستمتع بالطعام ولو أنك لم تتعب لن تستمتع بالراحة.
محمد: تقصد أن الأشياء تعرف بأضدادها.
غيث القضاة: تماماً، والضد يظهر حسنه الضد لذلك الذي يطالب بنزع الشر من الحياة كأنه يطالب بنزع الروح من الحياة؛ لأن الحياة قائمة على وجود الخير والشر حتى تعلم القبيح من الجميل والصالح من الطالح يجب أن يكون هناك شر تخيل ألا يكون هناك شر إطلاقاً تصبح الحياة مثالية ونكون مثل الملائكة لا نقوم بعمل أي شر نسبح الله فقط ونستغفره فأصبحنا خلق آخر.
النقطة الخامسة في التفكير هي نقطة فلسفية في الإجابة وتستخدم في الحجاج بمعنى إذا أردت أن تظهر الشر في هذه الحياة يجب أن تلغي الاختيار الذي أعطاه الله لك في هذه الحياة إذا أردت حياة من غير شر يجب أن تكون إنسان غير مخير.
محمد: هذا الشيء صعب.
غيث القضاة: وهذا شيء مستحيل، أنت نفيت الاختيار وبالتالي نفيت الإنسان ووجوده فالإنسان قائم على الحرية والاختيار وهذا الأصل الخامس في التفكير.
الأصل السادس أصل مهم وهو أصل روحاني الله يبتليك في هذه الحياة يصيبك بالشر الذي تظن أنه شر حتى يسمع دعاءك ونداءك وكيف تقترب منه.
فإذا مات ولد العبد نادى الله تعالى في ملائكته يقول: أقبضتم ولد عبدي فيقولون نعم أقبضتم فلذة فؤاده فيقولون نعم فيسأل الله سبحانه وتعالى فيقول: ماذا قال عبدي؟
فيقولون: حمدك واسترجع واستغفر فيقول الله سبحانه وتعالى: ابنوا لعبدي بيتاً في الجنة وأسموه بيت الحمد، فالله سبحانه وتعالى يريد أن يسمع دعاءك هذا القرب من الله تعالى بفقد ولد أو بنت أو خسارة في تجارة أو أي شيء يحصل معك أو تهجير أو جوع أو قتل جماعي وما شابه، تعلم أن الله يريد أن يسمع دعاءك ليرى كيف تفكر وهناك قصص جميلة عربية عن أمة عربية تعيش في الصحراء هذه العربية عندها خيمة كل الذي تمتلك في الحياة خيمة وتعيش بها فجاءت ليلة شديدة الرياح ماذا قالت؟ قالت دعاء بسيط، قالت: يا رب سترك الذي لا تهزه الرياح ولا تخرقه الرماح كل همها هذا البيت فالله سبحانه وتعالى يريد أن يسمع هذا الدعاء الجميل منك، أحياناً لما تصيب الإنسان مصيبة سواء موت أو غيره أنت تبدع في الدعاء وتقترب من الله سبحانه أكثر ويقول الفيلسوف الأمريكي جيفري لاند عالم رياضيات شهير: يقول الله سبحانه و تعالى يبتلينا حتى يزكينا يريد الله أن يسمع صوتك ودعاءك يسمع قربك منه فلذلك الابتلاء يقربك من الله.
محمد: سبحان الله، تحضرني حكمة لابن عطاء الله السكندري تشير لهذا المعنى تقول: من لم يأتِ إلى الله بلطائف الامتنان قُيِّدَ إليه بسلاسل الامتحان. أحياناً يريد الله هذا العبد وأن يرقيه ويعطيه هذه المكانة ويحبوه وينعم عليه لكن العبد ربما بعمله لم يصل إلى هذا الشيء، فالله سبحانه وتعالى يقود بسلاسل الامتحان حتى يسمع العبد وبعد ذلك يقربه ويعطيه ما خبأ الله له.
غيث القضاة: الله لطيف بعباده فالله وصف نفسه باللطف (اللطف الخفي) الذي لا نعلمه نسأل الله دائماً أن يتلطف بنا الله آمين.
هل تعلم أخ محمد في لطف الله عز وجل في سؤال مهم جداً: لماذا كان الله سبحانه وتعالى دائماً يرسل الرسل بكثرة لكل الأمم؟ لأن الله سبحانه وتعالى لا يريد أن يترك الناس بلا هداية، الله لطيف بعباده ويريدهم أن يهتدوا ويتعرف عليهم ويقتربون منه بعض المصادر تشير أنه هناك أكثر من مئة وأربع وعشرون ألف نبي ورد في القرآن بضع وعشرون نبي لكن الله لأنه لطيف بعباده يحب الخير لعباده كان يرسل لهم الأنبياء في كل فترة ولحظة تاريخية.
محمد: أرسلنا رسلنا تتراً، رسول وراء رسول.
غيث القضاة: تماماً لأن الله لا يريد أن يعذبنا لو أراد ان يعذب خلقه لما أرسل لنا أي نبي وهذا الشيء أجاب على أسئلة كثيرة… فالله يحبنا ويلطف بنا ويريد لنا الخير وينزل لنا شرائع فيها خير وعظمة لأنه لا يريد لنا أن نذهب إلى النار، الله سبحانه يريدنا أن نعمل الخير لذلك ترى أنبياء بني إسرائيل ممكن ألف نبي أو خمسة آلاف نبي والأنبياء في الأمم السابقة الذين لا نعرفهم، الله سبحانه وتعالى دائما يرسل أنبياء من أجل شيء معين وهو اللطف بعباده، فالله لطيف بعباده هذه مسألة مهمة.
محمد: هذه مسألة مهمة، يعني لو الإنسان اعتقد هذا الشيء في باطنه يحول المحنة إلى منحة فيصبح ينظر إلى عين هذا الشر الظاهر من ورائه أنه منحة من الله خبأها له.
غيث القضاة: تماماً، دعنا نأخذ مثالاً بسيطاً الطالب الذي يذهب إلى المدرسة كل أسبوع هناك امتحان أليس كذلك حتى ينجح ويتقدم ويحصّل علامة كاملة ويحصّل في آخر الفصل شهادة ممتازة ويتخصص في تخصصات جيدة بينما الطالب الكسول الذي لا يدرس يضيع وكذلك الله سبحانه وتعالى ولله المثل الأعلى يعطينا هذه الامتحانات شيء طبيعي أن يكون لدينا امتحانات، أي منظمة أو أي مؤسسة أو مدرسة فيها نظام امتحانات حتى نميز الناس المجد من غيره ومن هو المجتهد أو المتميز.
إذا أردنا ان نأخذ هذا المفهوم بسيط متعلق بطبيعة الامتحانات التي يتعرض لها الناس.
محمد: حسناً دكتور دعنا ندخل في صلب الموضوع ونتكلم بعبارة أوضح وبشيء أصرح أين الله مما يحدث في غزة وفي كل مكان يحصل فيه هذا القتل والدمار وكمية الأشلاء والدماء الغير معقولة، أين الله سبحانه وتعالى من كل هذا؟
غيث القضاة: تعلم أخي محمد بدرجة اليقين الكاملة أن الله ليس هو المسؤول وهو العالم بكل شيء لكن من قال إن الله هو المسؤول؟ عن الذي حصل أو الذي يحصل بمعنى سلبي. المسؤول هو الإنسان، الله سبحانه وتعالى وضح ذلك في آية في القرآن الكريم،
أول جريمة حصلت في البشرية ما هي؟ ابني آدم، ماذا قال الله سبحانه: فطوّعت له نفسه قتل أخيه فقتله فأصبح من النادمين، فنفسك أمرت بالسوء وأمرت بالقتل فقتلت.
صحيح أن الله عالم ومحيط بك ويعلم ما لا نعلمه لكنك مخير في ذلك أيها الانسان أنت الذي قتلت كل انسان أخي محمد يشاهد الظلم ولا يحاول التغيير هذا إنسان ظالم أليس كذلك وكل إنسان يشاهد مآسي ومصائب ولا يفعل شيء يغير في هذه المصائب هذا إنسان ساهم في الظلم او شارك في الظلم كل إنسان عنده مصيبة صغيرة او كبيرة إنسان ساهم في الشر فالإنسان هو أصل الشر؛ لأنه لديه إرادة حرة هو من اختار من خلالها والله وضح هذه العبارة، وسؤالك أخي محمد سؤال مهم حتى الصحابة عندما جاء محمد صلى الله عليه وسلم عندما كان الصحابة في مكة تعرضوا للتعذيب والأذى الشديد، ماذا قال الصحابة للنبي، قالوا كلام مشهور، قالوا يا رسول الله ألا تدعوا لنا، ألا تستنصر لنا، وكأنه يقول هذا الصحابي أين الله من كل ما يحدث، نفس السؤال وهذا السؤال قديم.
النبي محمد صلى الله عليه وسلم عنده فلسفة مختلفة وعلمه وقال له كذا وبشره بالخير وكان دائماً متفائل برغم كل الظروف.
في الأمم السابقة كان شخص يؤتى به بالمنشار ويقسم إلى نصفين ويتعذب ويصبر لأن عنده إيماناً ومبدأً يدافع عنه وعقيدة ووطن يدافع عنه لذلك النبي محمد صلى الله عليه وسلم علمنا مبدأ الصبر عند نزول المحن فهذا أول ملاحظة في هذه الإجابة، فالمسؤول المباشر رغم أن الله عليم وحكيم ومطّلع هو الإنسان.
محمد: هل يمكن أن نربط بين هذه وقول الحق سبحانه وتعالى: لا يسأل عما يفعل وهم يسألون لأن الإنسان أيضاً مسؤول عن اعماله ومحاسب عليها أصلاً؟
غيث القضاة: تماماً، أخ محمد لنأخذ الموضوع بتفصيل بسيط، الله سبحانه وتعالى بعد أن أعطانا الحرية بعض البشر اختار أن يقتل ويقطع رؤوس الأنبياء، لدينا قصص في الأحاديث الشريفة والسنة النبوية عن قتل الأنبياء وقطع رؤوسهم، وبعض البشر اختار أن يكون عابداً لله زاهاً يقدم الخير للناس والنصح والرشد فالإنسان هو من اختار (إنا هديناه السبيل إما شاكراً وإما كفوراً) فهذه قناعة أخرى المسؤول عن الشر هو أنت أيها الإنسان أنا أو أنت، عندما تقود سيارتك بسرعة عالية أو تفعل شيء خطأ في وظيفتك مثلاً أنت الذي تصنع الشر، الله سبحانه أعطاك الاختيار وهو امتحان دائم لك لأنه في كل يوم ولحظة أنت لديك امتحان دائماً في أي مكان عندك امتحان مستمر وهذا جزء من عطاء الله إرادة الاختيار لنا نحن كبشر، أمر آخر متعلق بموضوع السؤال الذي سألته أن الله أعطانا حرية الإرادة والاختيار لكن لها ثمنان الثمن الأول أو النتيجة الأولى كل هذا الابداع والجمال والاختراعات نتجت عن هذه الحرية لأن الإنسان حر في التفكير ومبدع، فالله قال لك أن تذهب وتعمر الرض فهذه الحرية جعلت الانسان ينشأ العمارات ويبدع ويبتكر، هناك عالم مسلم قبل ألف ومئتي سنة اسمه ريحان البيروني قاس محيط الأرض بجاز اسمه (الإسطرلاب) وكانت المسافة تختلف عن ناسا سبعمائة كيلو متر تخيل، فالله أعطاك عقل بشري جبار، هذا ثمن الحرية ونتيجتها، ومن نتيجة الحرية أيضاً كل هذا الظلم وكل هذا القهر وهذه الحروب والقتل وسفك الدماء والتهجير وظلم الإنسان لأخيه الإنسان، فالحرية ذات أبعاد متعددة إما تعطيك أشياء جميلة واختراعات وإبداعات أو تعطيك قتل وظلم ودمار لذلك الإنسان هو المسؤول عن اختياراته.
غيث القضاة: هناك ملاحظة مهمة في موضوع الشر، محمد صلى الله عليه وسلم خير البشر الذي أوحي إليه من فوق سبع سماوات، كل شيء يسمى شر في هذه الحياة مر به في حياته يتم: ولد يتيما، فقر، توفيت أمه، توفي أقاربه، توفي أعز شخص على قلبه من أمته وهو حمزة وبكى بكاء شديد لما توفي حمزة وفقد زوجته، وفقد أبناؤه القاسم وبناته وعاش باضطهاد من قبل أقاربه، تكلموا عنه أنه ساحر، ومجنون إن هذا لساحر مجنون انظر قساوة العبارات في ذلك العصر، ليس ذلك فقط حاصروه ثلاث سنوات في شعب أبي طالب لا أكل ولا شراب، انظر قساوة ذلك العقاب، ذهب للطائف كسروا بخاطره، وتهجر من مكة من وطنه ونزح، ترى كل شيء يخطر ببالك يتم فقر اضطهاد نزوح هجرة ترك أوطان النبي عانى من كل ذلك لكنه بقي الحامد العظم لله سبحانه يقول: اللهم إن لم يكن بك عليّ غضب فلا أبالي غير أن عافيتك أوسع لي، هذه هي المعادلة. النبي محمد صلى الله عليه وسلم يريد أن يقول لنا جميعاُ هذه هي الغاية وهي رضا الله سبحانه وتعالى وشيء آخر هذه هي الدنيا القصيرة أن تدرك أن تتكلم على الدنيا بمعايير الدنيا ستبقى في ألم واضطراب دائم لماذا أنا … محمد صلى الله عليه وسلم قال لك المعادلة حتى ترتاح (اللهم إن لم يكن بك علي غضب فلا أبالي فإذا وصلت إلى القبر وأنت مؤمن وحامد لله على السراء والضراء فأنت في خير عظيم، فكل ما يحدث معك في الدنيا ابتلاء، يوم القيامة يؤتى بأنعم أهل الأرض فيغمس غمسه في الناس فيقال له هل رأيت نعيماً قط فيقول لا والله ويؤتى بأشقى اهل الرض فيغمس غمسه في الجنة فيقال له هل رأيت شقاء قط فيقول لا والله، عندما نظرتك للمعادلة تختلف فيختلف كل تفكيرك وطريقة أجمل وأعمق وأريح نفسياً لأن الانسان دائماً مرتاح، كما في حياة النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
محمد: الآن نوجه الكلام أكثر ونتكلم عن غزة وما كان يحصل في سورية أو أي مكان آخر.
غيث القضاة: هل تعلم أخي محمد سأتحدث قليلاً عن الواقع ونبتعد عن المفاهيم الدينية والسياسية ثم نعود إلى الدين فكل شيء متشابك، هل تعلم أن دولة اسبانيا عندما انتقلت من حكم ديكتاتوري أيام فرانكو إلى حكم ملكي دستوري نيابي استغرقت هذه العملية في اسبانيا سبع وثلاثون سنة كان ثمن هذا الانتقال الديمقراطي ثلاثمائة وخمسون ألف قتيل في إسبانيا وسبع وثلاثون سنة وتشريد ودماء وتهدم بيوت واغتيالات لكن في النهاية كانت النتيجة ماذا؟ سياسياً تغير الحكم، إذا انتقلنا إلى غزة لنعود إلى التاريخ، الله سبحانه وتعالى ليس عبثاً أن ذكر في القرآن قصة أصحاب الأخدود (قتل أصحاب الأخدود …. وهم على ما يفعلون بالمؤمنين شهود) ذكر الله هذه القصة وتكلم بها المفسرون أنه كان ملكاً ظالماً أراد اجبار الناس على الإيمان بدينه أو بآلهته لكنهم لم يستمعوا إليه فقام بحفر أخاديد ومقابر جماعية وجعل يشعل فيها النار وقال إذا لم تؤمنوا بي كل سيموت في هذا الأخدود حتى أن بعض الأحاديث كانت تروي أنه كان يوجد طفل مع أم وهذه الأم خافت على طفلها وليس على نفسها (اصبري يا أماه فإنك على الحق) فألقاهم جميعاً في النار لكن إلقاؤهم في النار سبب في إيمان المدينة كاملاً بعد ذلك وصبروا على إيمانهم، كان الله يقول لنا ليست القضية متعلقة بما يحصل معك في الدنيا إنما كيف ستلقى الله سبحانه هذا هو المآل.
إذا أنت لقيت ربك وأنت ثابت على دينك وإيمانك ويقينك هذا هو المقياس والميزان (والسماء رفعها ووضع الميزان) هذا ميزان الله سبحانه الذي تحدثنا عنه في البداية يجب أن تلقى الله وأنت مؤمن ومتيقن مهما حصل لك في الدنيا أصحاب الأخدود قتلوا وماتوا لكن الله خلدهم في القرآن وقال لنا أن هؤلاء الناس قتلوا وحرّقوا كما نشاهد مقابر جماعية في سورية والمناظر المؤلمة لكن من لقي الله وهو مؤمن فهذا هنيئاً له، الحياة كما ذكرنا قصيرة ومحدودة ونهائية وأنت ذاهب إلى مكان أجمل ولا محدود ولا نهائي وفيه مستقر بإذن الله، فإن الخسارة الحقيقية ليست في الموت وان تفقد عائلة كاملة الخسارة الحقيقية أن تفقد دينك وتفقد إيمانك ومبادئك أحياناً لذلك الذ حصل في غزة درس لنا جميعاً وفي سورية لنرى الناس كيف تثبت على دينها وصابرة ومحتسبة وتقول إنا لله وإنا إليه راجعون، هذا الشخص إن لقي ربه بهذا الإيمان هنيئاً له حتى وإن كان الثمن التهجير والنزوح والقتل ولكن سياسياً إذا أردنا أن نعرف ما هي المقاومة للشعوب: المقاومة هي عبارة عن قتل وذبح وتشريد ودماء ونزوح هذه المقاومة وليس لها اسم آخر وهي ليست غير ذلك وليست أن تجلس في فندق وتعطي تصريحات، المقاومة تضحية وأبناء تحرر وطنك وأن تكون ثابت على مبدئك لذلك الله له حكمة في كل ما يحصل ونحن لا ندركها كما أن القصص التي ذكرت في سورة الكهف نحن لا ندرك ماذا أراد الله سبحانه وتعالى مما يحصل في غزة نحن نقترب قليلاً ونحاول أن نفهم سياسياً أن الغرب كُشِفَ أمامنا وإسرائيل كُشِفَت أمامنا ومسألة التطبيع تراجعت. أصبح هناك وعي عام وعند الجماعات، تخيل مثلاً في أمريكا لأول مرة في جامعة تكون فيها مسيرة لأجل فلسطين جامعة مثل (إم آي تي) في أمريكا سياسياً هذا يعتبر قفزة وإنجازاً بشرياً أعتقد أنه إنجاز لكن الله سبحانه وتعالى قد يكون له حكم نحن لا نعلمها ممكن أن الله أراد أن يربي جيل جديد بآخر عنده مبادئ مختلفة صعب أن يطبق إذا صدم هذا الجيل ورأى القتل، صحيح الثمن غالي وكل الشعوب ضحّت التي تحررت دفعت الثمن في أوربا في أمريكا اللاتينية (تشيغيفارا) الكوبي المعروف قاتل مع شعبه لكنه صمد وصبر، الناس في إسبانيا صبرت وفي بريطانيا حتى تغيرت سياسياً، فالشعوب تدفع الثمن والتضحيات والله يريد أمراً نحن قد لا ندركه بأبصارنا وبعقولنا الحالية لكنه قد يكون بلا شك أمر عظيم وقد يكون قطعاً فيه خير لهذه الأمة.
محمد: إن شاء الله تعالى.
غيث القضاة: تعلم أيضاً أخ محمد موضوع سورية كنا سابقاً بعض القصص عن سجون سورية كان أحدهم يقول:
لا تخال السجن قهراً * رب سجن قاد نصراً
كنت أتساءل عند سماع هذه القصيدة: كيف للسجن أن يقود للنصر وإذ بأربعمئة سجن في سورية تقود النصر سجن فيها الناس، معاناة الناس السجناء وصبرهم ألمهم على تعذيب الجلادين حتى القتل الجماعي على المكابس البشرية المتوحشة على التوحش البشري كل هذا قاد النصر في سورية صحيح الثمن كان كبير واللجوء والنزوح لكن الله يريد أمراً نحن لا نعرفه لذلك كل ما حصل معنا بلا شك الله سبحانه وتعالى له حكمة غاية في ذلك وبلا شك الشعوب تدفع ثمن كبير من أجل أن تضحي بما لديها من أطفال ونساء وشباب، وكما أخبرنا محمد صلى الله عليه وسلم أن الناجح الأخير هو الذي يلقى الله سبحانه وتعالى على خير.
وأنا أخي محمد أسأل الله أن يكون أهل غزة وسورية وكل من في هذه الأوطان أن يكونوا ممن انطبق عليهم ما يحصل مع المؤمنين في نهاية المطاف يغمسون في الجنة فيسألون هل وجدتم من شر قط فيقولون لا والله عسر الله تعالى أن يكون مصيرهم جميعاً الجنة وأن تكون هذه الدنيا القصيرة قد مرت بامتحان وابتلاء لهم وقد نجحوا في هذا الابتلاء والامتحان.
محمد: دكتور غيث مشكور وجزاك الله خيراً على هذه الحلقة الشيقة التي أسست لمنطلق وكان الكلام فيها بعيد قليلاً عن العاطفة. والإنسان إذا تبادر إلى ذهنه هذا السؤال يكون مطمئناً ويقول الله سبحانه وتعالى هنا وبالنظر على المرتكزات التي تحدثنا عنها ينطلق منه الإنسان ليحقق الطمأنينة وآثار تلك الطمأنينة التي بعثها الله سبحانه وتعالى في قلب سيدنا إبراهيم عندما قال لربه جل وعلا (ولكن ليطمئن قلبي) أسأل الله سبحانه أن يرزقنا الطمأنينة وأن نشهد نصراً و فتحاً لأمة الإسلام جميعاً وأن ينعم على أهلنا في غزة وفي النهاية لن يكون في ملك الله سبحانه وتعالى إلا ما أراد الله، نطمئن ونسلم الأمر لله سبحانه وتعالى والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.