عندما يتحدث بهاء عبد الرحمن، أحد أبرز من ارتدوا قميص النادي الفيصلي والمنتخب الأردني، فإن حديثه لا يكون مجرد استرجاع لذكريات لاعب معتزل، بل يتحول إلى تشريح دقيق ومؤلم أحياناً لواقع الكرة الأردنية بكافة تفاصيلها. في حوار صريح ومطول، فتح “الكابتن” قلبه وعقله ليكشف عن ملفات شائكة، بدءاً من البنية التحتية المتهالكة وصولاً إلى عقلية اللاعبين والقرارات الفنية المثيرة للجدل في المنتخب الوطني.
الأساس المتصدع: أزمة الملاعب والدعم المادي
يبدأ بهاء تشخيصه للمشكلة من الجذور، حيث يرى أن المنظومة الكروية في الأردن تقف على أساس هش. يطلق صرخة مدوية حول حالة الملاعب، واصفاً التدريب على أرضيات “الترتان” الصلبة بأنه أشبه بالتدريب على “الزفتة”، مما يتسبب في إصابات مبكرة للاعبين ويقتل فرصة تطوير مهاراتهم على عشب طبيعي يليق بكرة القدم الحديثة. يتساءل بحرقة: “كيف يمكن أن نطلب من اللاعبين الإبداع وهم يلفون ركبهم قبل التمرين خوفاً من أرضية الملعب؟”.
ويربط بهاء هذه الأزمة ارتباطاً وثيقاً بالمعضلة المالية التي تخنق الأندية. ففي غياب الدعم الحكومي المنظم ورعاية الشركات الكبرى، تجد الأندية نفسها عاجزة عن تلبية أبسط متطلباتها، من تغيير أرضية ملعب قد تكلف مئة ألف دينار، إلى دفع رواتب اللاعبين بانتظام. ويشير إلى أن النموذج المتبع في الخليج وأوروبا، حيث تكتسي قمصان الأندية بالإعلانات التي تدر عليها دخلاً ثابتاً، يكاد يكون غائباً في الأردن. وبحسبه، فإن الأندية لا يمكنها الاستمرار بالاعتماد على الجيوب الخاصة لرؤسائها وأعضاء إداراتها، فهذا النموذج محكوم عليه بالفشل على المدى الطويل.
اللاعب الأردني: بين انتماء الأمس ومادة اليوم
ينتقل الحوار إلى ملف اللاعبين، حيث يقارن بهاء بين جيله والأجيال الحالية. يتحدث بحنين عن “زمن الانتماء”، حين كان اللاعب يوقع عقداً لخمس سنوات ويقاتل من أجل الشعار الذي يرتديه مقابل راتب متواضع، بينما اليوم أصبح اللاعب يفكر بعقلية “المحترف” الذي يبحث عن العرض المادي الأفضل وعقد قصير الأمد يتيح له الانتقال بسرعة.
كما ينتقد ظاهرة اختيار المحترفين الأجانب، معترفاً بأن عبارة “محترف اليوتيوب” كانت واقعاً في الماضي، ورغم تحسن الأمور، إلا أن جلب لاعب “سوبر” يتطلب دفع مبالغ طائلة لا تملكها الأندية الأردنية. والنتيجة هي محترفون يأتون بـ “ضربة حظ”، قد ينجح أحدهم كما حدث مع نادي السلط، ويفشل الكثيرون. هذه الدوامة تضعف الدوري بدلاً من أن تقويه.
المنتخب الوطني: اختيارات المدرب وقنبلة الغرور
لم يتردد بهاء في توجيه نقد مباشر وحاد للجهاز الفني للمنتخب الوطني، متسائلاً بتهكم: “هل يتابع مدربنا الدوري الأردني وهو في المغرب، أم ينتظر حتى يأتي قبل التجمع بأيام؟”. يرى أن هناك لاعبين مميزين مثل أحمد العرسان وخالد زكريا قد ظُلموا بعدم استدعائهم رغم تألقهم اللافت في الدوري، معتبراً أن الاعتماد على نفس الأسماء التي تأهلت لكأس العالم دون النظر إلى مستواها الحالي قد يكون خطأً فادحاً.
وحذر من “قنبلة الغرور” التي قد تنفجر بين اللاعبين بعد تحقيق الإنجاز التاريخي بالتأهل. يطالب المدرب بأن يكون أكثر صرامة، وأن يذكر اللاعبين بنقطة البداية، فالمهمة القادمة في كأس العالم تتطلب قتالاً وتواضعاً، والجمهور الأردني لن يرحم أي تهاون أو ظهور بصورة لا تليق باسم الأردن.
الفيصلي والوحدات: حين يفقد الكلاسيكو نكهته
بوصفه أحد أبناء النادي الفيصلي، شخص بهاء سبب تذبذب مستوى فريقه في السنوات الأخيرة بغياب الاستقرار، فكل عام يتم تغيير الإدارة والجهاز الفني و11 لاعباً، مما يمنع بناء فريق متجانس قادر على المنافسة لسنوات. أما عن غריمه التقليدي الوحدات، فقد عبر عن حزنه الشديد لرؤية مدرجات جماهيره شبه خالية في مباراة الكلاسيكو الأخيرة، مؤكداً أن “نكهة الدوري الأردني” تكمن في هذا الصراع الجماهيري الجميل بين الأزرق والأخضر.
ووجه رسالة قوية ومهمة للجماهير كافة: “أحبوا اللون والشعار، لا الأشخاص”. فحب النادي يجب أن يكون غير مشروط بالنتائج أو بوجود فلان أو رحيل علان من الإدارة، لأن هذا هو الانتماء الحقيقي الذي يصنع الأندية العظيمة.
في نهاية المطاف، كانت شهادة بهاء عبد الرحمن بمثابة جرس إنذار. إنها ليست مجرد نقد من أجل النقد، بل دعوة صادقة من لاعب أسطوري عشق اللعبة وأخلص لها، يرى بأم عينه أن الموهبة الأردنية موجودة، لكنها مهددة بالضياع وسط منظومة تحتاج إلى إصلاحات جذرية وعاجلة، قبل أن نكتشف أن التأهل لكأس العالم كان استثناءً جميلاً، وليس بداية لعصر جديد.