
في ذاكرة كل بيت أردني، صوتٌ لا تخطئه الأذن ووجهٌ لا يغيب عن البال… صوت “العم غافل” الذي رسم البسمة على وجوهنا لعقود، وأصبح جزءًا لا يتجزأ من تراثنا الفني وضحكات طفولتنا. لكن خلف هذه الشخصية الأيقونية، يقف فنان كبير، وقصة ملهمة، ومسيرة حافلة بالتحديات والنجاحات
اليوم، لا نستضيف ممثلًا فحسب، بل نحاور ذاكرة فنية حية، وشاهدًا على تاريخ الدراما الأردنية. نستضيف الفنان الكبير حسين طبيشات.
في هذه الحلقة من بودكاست “ضيف شريف”، ننطلق في رحلة عبر الزمن… إلى بدايات الموهبة ونبوءة الجد، ونغوص في كواليس ولادة شخصية “العم غافل” بالصدفة في أروقة الجامعة. نستعيد ذكريات الثنائي الذهبي الذي لا يُنسى مع الفنان الراحل محمود صايمة، ونضحك على مواقف طريفة من برنامج “هيلمات” وقصة “الحمام” الشهيرة التي حدثت على خشبة المسرح.
لكن الحوار لا يتوقف عند الضحكات والذكريات، بل نتعمق في نقاش صريح حول تحديات الفن الأردني، سقف الحرية، مسؤولية الفنان تجاه مجتمعه، وهموم النقابة، ونختتم برسالة ملهمة منه إلى جيل الشباب الطامح لدخول هذا العالم.
استعدوا لحوار دافئ وصريح، يجمع بين نوستالجيا الماضي ورؤية المستقبل. مع الأيقونة الحية، الفنان حسين طبيشات. أهلاً بكم.
مراحل البودكاست
1. مقدمة وترحيب: العم غافل أيقونة الفن الأردني
(00:00:00 – 01:04)
- في هذا الجزء، يقدم المحاور الفنان حسين طبيشات كشخصية فنية مؤثرة في تاريخ الأردن، مع التركيز على شخصية “العم غافل” التي حُفرت في ذاكرة الأردنيين. يرحب بالفنان الذي يعبر عن امتنانه لهذه المقدمة.
2. بذور الموهبة: نبوءة الجد وبدايات الشغف
(01:04 – 02:00)
- يتحدث الفنان عن أن موهبته فطرية من عند الله منذ الطفولة، ويروي قصة نبوءة جده الذي تنبأ له بأنه “سيبيع الحكي بيعًا” بعد أن طلب منه نقودًا مقابل تقليد شخصية ما.
3. ولادة شخصية العم غافل: من مسرح الجامعة إلى وجدان الأردنيين
(02:00 – 04:04)
- يشرح حسين طبيشات كيف ولدت شخصية “العم غافل” بالصدفة أثناء دراسته في جامعة اليرموك لمسرحية “البخيل”، حيث استلهم الشخصية من رجل مسن رآه في سوق بإربد، وكيف استمرت معه في المسرح حتى اليوم.
4. الثنائي الذهبي: شراكة العمر مع الفنان الراحل محمود صايمة (حمدي)
(04:04 – 06:03)
- يستذكر الفنان بداياته مع الفنان الراحل محمود صايمة منذ الطفولة في “فرقة أضواء الشمال”، ثم لقاءهما مجددًا بعد سنوات، وتشكيل الثنائي الشهير “غافل وحمدي” في مسرحية “العلم نور” التي كانت انطلاقة مسيرتهما المشتركة.
5. كواليس برنامج “هيلمات”: ولادة برنامج من العفوية المطلقة
(06:03 – 09:17)
- يروي قصة تلقيه اتصالًا من مدير التلفزيون الأردني آنذاك، الأستاذ ناصر جودة، لتقديم برنامج رمضاني مباشر اسمه “هيلمات” دون أي فكرة أو إعداد مسبق، وكيف نجح البرنامج بفضل الكوميديا العفوية.
6. مواقف لا تُنسى: الكوميديا العفوية وقصة “الحمام” الشهيرة
(09:17 – 11:34)
- يشارك الفنان بعض المواقف الطريفة من برنامج “هيلمات” والثنائي مع محمود صايمة، وأبرزها القصة الشهيرة عندما تأخر محمود صايمة عن دخول المسرح لأنه كان في الحمام، مما أدى إلى موقف كوميدي لا يُنسى أمام الجمهور.
7. علاقة الفنان بشخصيته: فخر واعتزاز بالعم غافل
(11:34 – 13:09)
- يؤكد الفنان حسين طبيشات أنه لا يشعر بالظلم لارتباط اسمه بشخصية “العم غافل”، بل على العكس، يعبر عن فخره واعتزازه الكبير بهذه الشخصية التي دعمته كثيرًا في مسيرته الفنية ويرى أنها مزروعة في وجدان الناس.
8. ما وراء العم غافل: تجارب فنية متنوعة ومواقف طريفة
(13:09 – 15:22)
- يتحدث عن أدواره المختلفة بعيدًا عن “العم غافل”، ويركز على تجربته في المسلسل البدوي “حكايات من البادية”، ويذكر مواقف كوميدية حدثت أثناء التصوير مع الفنان محمد العبادي ومع “الحمارة” التي رفضت التمثيل.
9. تحديات المسيرة: بين فاجعة وفاة الوالدة والأداء برجل مكسورة
(15:22 – 17:13)
- يستعرض أصعب اللحظات في مسيرته، ومنها تقديم عرض مسرحي بعد وفاة والدته بأيام قليلة، والتحدي الأكبر عندما قدم افتتاح مهرجان الفحيص على كرسي متحرك بعد تعرضه لكسر مضاعف في رجله.
10. الكوميديا والسياسة: سقف الحرية المرتفع والأداء أمام جلالة الملك
(17:13 – 21:11)
- يناقش دور الكوميديا في طرح القضايا السياسية، مؤكدًا على سقف الحرية المرتفع في الأردن، ويستشهد بتقديمه مسرحية سياسية في سوريا أدهشت الجمهور هناك، ويروي كيف قدم عرضًا أمام جلالة الملك عبدالله الثاني الذي شجعه على قول ما يريد بحرية تامة.
11. مسؤولية الفنان الكوميدي: بين الالتزام بالنص ومواجهة المحتوى الهابط
(21:11 – 26:29)
- يتناول التحدي الذي يواجهه الممثل الكوميدي بين الالتزام بالنص والارتجال، ويروي تجربته في مسرحية جادة كاد أن يخرج فيها عن النص. ثم ينتقل للحديث عن مسؤولية الفنان تجاه المجتمع، منتقدًا المحتوى السطحي على وسائل التواصل الاجتماعي.
12. صناعة الفن في الأردن: بين المحافظة على الهوية وأزمة الإنتاج
(26:29 – 31:32)
- يحلل أسباب حفاظ الفن الأردني على طابعه المحافظ، ويعلق على الأعمال التي خرجت عن هذا الإطار. كما يناقش وضع التلفزيون الأردني وأزمة الميزانيات المحدودة التي تعيق الإنتاج الضخم مقارنة بالمؤسسات الإعلامية الأخرى.
13. هموم الفنانين: العلاقة بالجمهور ونقابة الفنانين وتحدياتها
(31:32 – 38:43)
- يتحدث عن علاقته الرائعة بجمهوره، وينتقد ظاهرة النقد من أجل النقد. ثم يتطرق إلى قضايا نقابة الفنانين، داعيًا إياها لاحتضان المواهب الشابة وتسهيل عضويتهم، لأنهم مكسب حقيقي للمستقبل.
14. اقتصاديات الفن: تحديات التمويل ومستقبل الفنانين المتقاعدين
(38:43 – 49:11)
- يناقش الوضع المادي الصعب الذي تواجهه نقابة الفنانين والفنانون الأردنيون بشكل عام، خاصة المتقاعدين منهم، ويقارن بين آليات العمل في الأردن ومصر، ويؤكد على ضرورة جذب دعم القطاع الخاص والحكومي لإنعاش الحركة الفنية.
15. نظرة نحو المستقبل: خطط ونصائح ورسالة إلى الجيل الجديد
(49:11 – 59:07)
- يكشف عن خططه المستقبلية المسرحية والتلفزيونية، ويقدم رؤيته للحلول اللازمة لتطوير الفن في الأردن لو كان في موقع المسؤولية. ويختتم اللقاء بتوجيه رسالة ونصيحة ثمينة للشباب الراغبين في دخول مجال التمثيل، مؤكدًا على أهمية وجود مصدر دخل ثابت إلى جانب الفن لضمان استمراريتهم وكرامتهم.
بداية البودكاست
المحاور (شريف):
حياكم الله وأهلاً وسهلاً بكم أينما كنتم تشاهدوننا في برنامج “ضيف شريف”. عندما نستعرض التاريخ الأردني في الفن، يبرز ضوء، ويظهر شعاع، ويسطع نور لبعض الشخصيات. لكن هناك شخصية أثرت، لا أريد أن أصفها بالتقدم في السن، ولكن منذ سنوات وحتى اليوم، في الكبار والصغار، وابتكرت شخصية (Character) ما زالت إلى اليوم، وستبقى، محفورة إلى الأبد في ذاكرة وأذهان كل الأردنيين، وهي شخصية “العم غافل”. بدون مقدمات جليلة، نحن في برنامج بودكاست ولسنا على التلفزيون، حسين طبيشات، الفنان الأردني العربي الكبير جداً، والذي اليوم ارتفع سقف البرنامج بوجوده فيه. أهلاً وسهلاً بك.
الفنان حسين طبيشات:
أهلاً بك يا عزيزي، أشكرك، أشكرك على هذه المقدمة الكريمة. والله، بل على العكس، أشكرك يا عزيزي. كيف حالك؟
المحاور:
الله يخليك، بخير، ممتاز.
الفنان حسين طبيشات:
بخير الحمد لله. الحمد لله.
المحاور:
أريد أن أسألك أول سؤال، من الذي قال لك هكذا، أعطاك هذا الدافع؟ أولاً، أنت فنان كوميدي، أنت تستحق أن تكون موجوداً.
الفنان حسين طبيشات:
لا يوجد شخص معين، ولكنها موهبة من الله. أنا منذ كان عمري أربع أو خمس أو ست سنوات وأنا أعشق التمثيل، وأعشق الفن، وأعشق الكوميديا. حتى إنني ذكرتها كثيراً في مقابلات، أن جدي عندما طلب مني أمراً، أن أقلده له وأقوم به، طلبت منه نقوداً. لم يكن معه سوى خمس ليرات، وفي تلك الأيام كانت الخمس ليرات تشتري بها دونم أرض. فقال لي: “والله يا جدي، ليمرن عليك زمن تبيع فيه الحديث بيعاً”. فهذه موهبة من عند الله.
المحاور:
كيف ظهرت معك شخصية “العم غافل”؟
الفنان حسين طبيشات:
والله لقد كانت صدفة. كان مطلوباً شخصية رجل كبير في السن…
المحاور:
في أي سنة كان هذا الحديث؟
الفنان حسين طبيشات:
أتوقع في عام 1986 أو 1987. كنت في جامعة اليرموك، ورحم الله الأستاذ جميل الزعبي، كتب مسرحية اسمها “البخيل” مأخوذة من كتاب الجاحظ “البخلاء”. وكانت شخصية الجاحظ هي رجل كبير في السن، لباسه بالٍ. لم أكن أعرف كيف أمثلها، فقد كنت أمثل في مسرحيات شبابية، كلها عن الشباب في أيام الجامعة، عن الحياة الجامعية وما إلى ذلك. فأردت أن أقدم شخصية رجل مسن. رأيت رجلاً مسناً في سوق الجواعدة في إربد، مقابل بلدية إربد، لم يكن لديه طقم أسنان، كان فمه فارغاً تماماً، وكان يلف شيئاً. فوقفت عنده وظللت أتأمل فيه، فقلت: هذه هي الشخصية التي أبحث عنها.
المحاور:
كيف يمكن أن أقدم شخصية العم غافل؟ سؤال مستمر إلى اليوم. العم غافل لا يزال موجوداً ولكن ليس بالزخم القديم. ربما آخر عملين لك كانا بشخصيات مختلفة، على الرغم من أنك ظهرت في حلقة من حلقات مسلسل للتلفزيون الأردني بشخصية العم غافل.
الفنان حسين طبيشات:
لا زلت أقدم الأعمال المسرحية بشخصية العم غافل، فهي كأعمال مسرحية مطلوبة أكثر من أي شخصية أخرى، حتى خارج الأردن.
المحاور:
هل تشعر بأنها لم تواكب الجيل الجديد لكي تستمر بها تلفزيونياً؟ كيف تحاول تطويرها؟
الفنان حسين طبيشات:
يجب أن تطور، يجب أن تعرف ما هي متطلبات هذا الجيل. يجب أن تدرس هذا الجيل، وهذا الجيل ليس سهلاً، جيل يشاهد ويرى وخياراته متعددة. نعم، طبعاً. فيجب أن تواكب العصر من خلال شخصية العم غافل. يمكنك أن تواكبه بهذه الشخصية، ولكن بالشيء الذي يناسبه. العم غافل وحمدي، رحمه الله حمدي، الأستاذ محمود صايمة، رحمه الله وأحسن إليه.
المحاور:
حدثنا عن هذه التجربة.
الفنان حسين طبيشات:
التجربة كانت منذ أن كان عمري ست سنوات، وعلاقتي بالفنان محمود صايمة رحمه الله، وكان عمره آنذاك أحد عشر أو اثني عشر عاماً. عملنا في معسكرات الحسين عملاً مسرحياً، طُلب أطفال للمسرحية، وكنا في منطقة قريبة من بيتنا في إربد، البارحة. وكانت الفرقة التي تتبنى هذا الموضوع في إربد اسمها “فرقة أضواء الشمال”. بعد ذلك، انتسبنا أنا ومحمود للفرقة وأصبحنا نمثل معهم. لقد أحبوني وأنا في السادسة من عمري. استمررت أنا ومحمود صايمة فترة طويلة جداً مع فرقة أضواء الشمال، وعندما يحل المساء، كان هو يوصلني إلى البيت، فماذا كان عمري؟ سبع سنوات، ست سنوات. فكان محمود يوصلني إلى البيت، رحمه الله. واستمرت العلاقة بيننا، ثم انقطعنا فترة الدراسة الجامعية، ومحمود بدأ يعمل. بعد ذلك، التقيت به في جبل اللويبدة وجلسنا على الرصيف وبدأنا نتحدث. كنت موظفاً جديداً في مؤسسة الإذاعة والتلفزيون. بدأنا نتحدث، ثم عُرض علينا في مسرحية “العلم نور” أن نعمل معاً، أنا ومحمود صايمة. فقدمت شخصية العم غافل لأنني كنت قد قدمتها في جامعة اليرموك، شخصية الرجل الكبير في السن، وكانت تلك أول مرة أقدمها في مسرحية “العلم نور”. وقدم محمود شخصية حمدي، فبرزت هاتان الشخصيتان. وبعد ذلك، أصبحت أنا ومحمود ثنائياً، واستمررنا في الأعمال التلفزيونية والمسرحية.
المحاور:
والله تاريخ، يا أستاذ حسين. أنتم أثرتم في الناس. والله ما زلت أقول للشباب المعدّين في الخارج، إنه كان هناك برنامج يُعرض على قناة رؤيا الأردنية اسمه “نكت شوارع”.
الفنان حسين طبيشات:
لم يكن “نكت شوارع”، كان اسمه “هيلمات”. أنتم كنتم تقدمونه.
المحاور:
“هيلمات”.
الفنان حسين طبيشات:
سمى هذا الاسم الأستاذ ناصر جودة، كان مدير التلفزيون آنذاك. ناداني واتصل بي هاتفياً وقال: “حسين، أين أنت؟”. قلت له: “لدي عرض مسرحي”. فقال: “حسناً، في العاشرة والنصف مساءً تكون عندي في التلفزيون، أنت ومحمود صايمة”. قلت له: “سيدي، أنا أنتهي من المسرحية في الحادية عشرة”. قال: “اختصر”. قلت: “حاضر”. في العاشرة والنصف، كنت أنا ومحمود عنده. قال لنا إن اليوم التالي هو أول أيام رمضان، وقال: “غداً لديكم برنامج اسمه ‘هيلمات’ من الساعة الثانية عشرة ليلاً إلى الواحدة ليلاً”. قلت له: “حسناً عطوفتك، ما هو البرنامج؟”. قال: “لا أعرف، اسمه هيلمات”. قلنا له: “طيب، ما فكرته؟”. قال: “لا أعرف”. قلنا له: “هل نستقبل اتصالات هاتفية؟”. قال: “لا”. قلنا: “طيب، ماذا نفعل؟”. قال: “لا أدري”. رن الهاتف عنده، وإذا به يقول: “هيا إلى الاستوديو لتتحدثوا عن البرنامج”. قلت: “ماذا سنتحدث عن البرنامج؟”. والله إنني لا أعرف ماذا سنقول. دخلنا إلى الاستوديو، كانت المذيعة لارا. قالت: “أهلاً وسهلاً بالفنان حسين طبيشات والفنان محمود صايمة، حدثونا عن البرنامج الذي ستقدمونه من الثانية عشرة إلى الواحدة ليلاً”، وكان وقتاً مميزاً في رمضان، فالدنيا صيف. قلت لها: “البرنامج اسمه هيلمات، وسأقدمه أنا والأستاذ محمود صايمة من الساعة الثانية عشرة إلى الواحدة. وهذا البرنامج إن شاء الله سيُقدم على شاشة التلفزيون الأردني. وتفضل أستاذ محمود أكمل”. فقال محمود: “كما تحدث الأستاذ حسين عن هذا البرنامج… وتفضل أستاذ حسين أكمل”. بعد ذلك، قلت لها: “هل تعرفين أنتِ شيئاً عن البرنامج؟”. قالت: “لا”. قلت لها: “والله إنني مثلك تماماً! والله إذا كنتِ تعرفين شيئاً عن البرنامج فأنا أعرف”. الأستاذ ناصر، أذكره بالخير، إنسان رائع، كان مسروراً ومستمتعاً، وكان موجوداً في صالة التحكم (Gallery) عندما بدأنا أنا ومحمود نتمازح في البرنامج مع زميلتنا المذيعة لارا. المهم، خرجنا، وإذا به يقول: “نعم، هكذا أريد البرنامج!”. قلت له: “يا سيدي، أي برنامج؟ والله نحن لم نفعل شيئاً، لا نعرف ماذا فعلنا”. وظهر البرنامج. ظللنا طوال اليوم وطوال الليل ساهرين، رحمه الله الكاتب بشير هواري، رحمه الله، كان من الناس الذين ساعدونا بالأفكار التي قدمناها لهذا البرنامج أيضاً. وظهر هذا البرنامج، وحلاوته أنه قسم الشارع الأردني إلى قسمين: قسم معه، وقسم ضده، ولكن الجميع كان يشاهده. الجميع كان يشاهده.
المحاور:
كان برنامجاً جميلاً، طبعاً، طبعاً.
الفنان حسين طبيشات:
بصراحة، كنا نفعل أشياء ونقولها على الهواء مباشرة. اسم البرنامج وحده أعتقد اليوم لا ينجح. كان هناك مطرب جاء إلى البرنامج، فقلت: “والآن مع المطرب نصكم”. وإذا بمحمود صايمة يقول: “أي نصكم؟ والله لا يشبهه!”. يا حرام، المطرب قال: “ما بال هذين؟”. قال له محمود: “غنِّ، ولكن والله إن لم يكن صوتك جميلاً لتنالنّ ضرباً”. كان برنامجاً عفوياً وجميلاً وحلواً. بعد ذلك، كنا على الطاولة، بدل أن نضع ورداً، كنا نضع كروشاً ورؤوساً وأشياء من هذا القبيل. طبعاً، من أجل الأستاذ محمود، روح الأستاذ محمود، رحمه الله.
المحاور:
أريد قصصاً.
الفنان حسين طبيشات:
قصصي مع المرحوم محمود صايمة كثيرة والله.
المحاور:
قل لنا شيئاً من المواقف الطريفة (النهفات) التي حدثت بينك وبين محمود.
الفنان حسين طبيشات:
مرة صعدت على خشبة المسرح، وكان من المفترض أن يدخل محمود ورائي عند جملة معينة (cue). قلت الجملة، ولم يدخل محمود. ارتجلت قليلاً، ثم عدت لنفس الجملة لكي يدخل محمود، فلم يدخل. ارتجلت مرة أخرى. إلى متى سأظل أرتجل على خشبة المسرح والجمهور يملأ المكان؟ ورجعت إلى الجملة لكي يدخل محمود، فلم يدخل. بعد ذلك قلت: “وبعد ذلك يا حمدي؟ وبعد ذلك يا محمود صايمة؟ لمَ لا تدخل يا محمود صايمة؟”. قلت له: “وبعد ذلك يا محمود؟ لمَ لا تدخل؟ خلصني!”. فإذا به يجيبني: “أنا في الحمام! في الحمام! في الحمام!”. فاتضح أنه كان في الحمام. طيب، محمود يحتاج لساعتين أو ثلاث أو أربع. هل أقدم المسرحية وحدي؟ “في الحمام”! والجمهور مات من الضحك. رحمه الله، رحمه الله محمود. المواقف الطريفة كثيرة بيني وبينه.
المحاور:
سؤال، هل تشعر بأنك ظُلمت قليلاً، بأن الناس لا يرونك إلا في شخصية العم غافل؟ أم أن الأمر عادي؟
الفنان حسين طبيشات:
لا، بالعكس، أنا مسرور جداً بأن هذه الشخصية قدمت لي الكثير. شخصية العم غافل، وأنا أعتز وأفتخر بها وأحبها. شخصية دعمتني كثيراً في حياتي وفي مسيرتي.
المحاور:
لولا أنها… والله أريد أن أضيف شيئاً عليك أستاذ حسين، أنها مزروعة في أذهان الأردنيين. لا أشعر أنك قدمتها كشخصية عادية، بل قدمتها بكل حيثياتها العظيمة الإبداعية، فيحق لك أن تفتخر بها.
الفنان حسين طبيشات:
الحمد لله، لأنها مزروعة زراعة. ولكن أتعرف يا أستاذ شريف، هناك أمر واحد، أنا أتمنى… الأهم هم الكُتّاب. الكاتب دائماً يجب أن يفعل شيئاً أو يكتب شيئاً يعطي أي شخصية تُقدم على شاشة التلفزيون أو المسرح طابعاً جديداً. دائماً العمل عندما يُكتب، هو الأساس. الكتابة هي أساس أي عمل تلفزيوني أو مسرحي، النص المسرحي أو النص التلفزيوني.
المحاور:
هل هناك من حاول تقليد العم غافل؟ هل أعجبك أحد منهم؟
الفنان حسين طبيشات:
رائعون. ولكن انظر، دائماً الأصل يختلف. يظل هناك اختلاف. حتى الناس، ربما كثرٌ قلدوا شخصية العم غافل حباً في هذه الشخصية، ولكنهم لم يقلدوها تلفزيونياً أو مسرحياً.
المحاور:
بعيداً عن العم غافل، ما هو المسلسل الذي تشعر أنك قدمته وكان مختلفاً أو أثر على مسيرتك المهنية، قديماً أو حديثاً؟ شخصيات مختلفة عن شخصية… إذا لم تكن شخصية، فمسلسل كامل.
الفنان حسين طبيشات:
انظر، أنا قدمت الكثير من الأعمال التلفزيونية بشخصيات مختلفة. مسلسل “نجمة والأستاذ”، “نقطة وسطر جديد”، “حكايات من البادية”. بصراحة، أنا أو هي… ربما هذه أول مرة سأقولها، هناك أناس يسألونني دائماً لماذا لم أقدم أعمالاً بدوية، مسلسلات بدوية. أنا قدمت مسلسلاً بدوياً اسمه “حكايات من البادية”، وكانت الشخصية التي قدمتها جميلة جداً، شاب ولكن… كانت شخصية رائعة. أتذكر في تلك الأيام ونحن نصور، كنت، حاشا السامعين، راكباً على حمارة. والمخرج يقول: “Five, three, cue لي”، أي إشارة لكي أمشي وأقطع وأصل إلى بيت الشعر. فقلت له: “يا رجل، الـ ‘cue’ لي أنا فهمته، ولكن الحمارة كيف ستفهمه؟”. لم تكن راضية أن تمشي. المهم، غيروا لي الحمارة، وأحضروا جحشاً أصغر. قال المخرج: “Five, three, cue”. نخزت الجحش، فطيرني إلى الأعلى مترين، وسقطت، وطار الجحش إلى آخر الجبل، وذهبوا ليحضروه. لكن الشخصية كانت جميلة جداً. وأتذكر في حلقة من الحلقات، كان والدي في المسلسل هو محمد العبادي، هذه الشخصية التي أعتز وأفتخر بها، القامة الكبيرة طبعاً، الأستاذ محمد العبادي. والله أتذكر أننا أعدنا المشهد حوالي عشرين مرة وهو يضحك، لأنني لم أكن أعرف كيف ألبس العقال ولا الشماغ. فكانت تجربة جميلة جداً.
المحاور:
ما هي أصعب اللحظات التي مرت عليك خلال مسيرتك؟ هنا شعرت أنه إذا لم أتصرف بشكل صحيح، سأنتهي.
الفنان حسين طبيشات:
لحظات صعبة… ليست بهذا الشكل. كانت هناك لحظات صعبة. كان لدي افتتاح عرض مسرحي، وتزامنت معه وفاة والدتي رحمها الله. بعد يومين أو ثلاثة أيام على ما أذكر، قدمنا افتتاح المسرحية. هذه واحدة. الثانية، كان افتتاح مهرجان الفحيص، وفي الافتتاح كان هناك عمل مسرحي لي. وقبل الافتتاح بيومين بالضبط، كُسرت رجلي في مباراة كرة قدم، وأنا لا علاقة لي بكرة القدم. كان اعتزال المرحوم راتب الضامن. أردت أن أركل الكرة، فركلت الأرض، فانكسرت رجلي كسرين. المهم، سألت الطبيب: “هل هناك إمكانية أن أظهر على كرسي متحرك وأقدم العرض المسرحي؟”. مدة المسرحية كانت تقريباً ساعة ونصف أو ساعتين. فكانت تلك مرحلة صعبة جداً وتحدياً بالنسبة لي، أن تقدم عملاً مسرحياً على كرسي متحرك ورجلك مكسورة. قدمت المسرحية، ولكن في منتصفها، لأن الرجل يجب أن تمدها عندما تكون مكسورة، شعرت بألم شديد جداً، وأكملت المسرحية. كانت مرحلة صعبة. حاولت بعد سنة ونصف أو سنتين من تقديم هذه المسرحية، أن أقدمها بدون الكرسي المتحرك، فلم أستطع. أصبحت عندما أريد أن أقول كلمة، يجب أن أذهب وأجلس ثم أقولها على خشبة المسرح. والله، هذه كانت تجربة. من الذي وضع هذا السؤال؟
المحاور:
بدأنا الآن… ضحكتك، ومن الذي وضع هذا السؤال؟ تفضل اسأل، اسأل ما تريد. كيف ترى دور الكوميديا في طرح المواضيع السياسية؟ وأريد أن أعقد مقارنة صراحة بين زمنكم، الذي سأسميه الآن الانفتاح في حرية التعبير في الفن، الذي كان في التسعينيات وأوائل الألفين. لكننا اليوم لا نملك هذا القالب. لدينا حرية…
الفنان حسين طبيشات:
لا، ليس حرية، ليس السقف، لا نملك هذا القالب.
المحاور:
نعم، لا نملك القالب.
الفنان حسين طبيشات:
ولكن أقول لك، ما شجعنا هو أن لدينا حرية. نعم، طبعاً، وحرية كبيرة طبعاً. وأغلبية الأعمال المسرحية التي قدمناها كانت أعمالاً سياسية، فيها خط سياسي ومهم جداً. ومن الجميل جداً أن توصل من خلال هذا المنبر الثقافي، وهو خشبة المسرح، هذا المنبر المهم، رسالة تخدم بها قضاياك، سواء الوطنية أو العربية، من خلال أعمالك المسرحية. ودليل على ذلك، أنا قدمت مسرحية اسمها “غافل الكيماوي”، وقدمناها في مهرجان المسرح الكوميدي الأول في اللاذقية في سوريا. وحضرها آنذاك نائب الرئيس السوري. أتذكر أنهم رفعوني على أكتافهم. وسألوني سؤالاً هناك في سوريا: “هل يعقل أن لديكم في الأردن حرية إلى هذه الدرجة، أن تقدموا أعمالاً مسرحية؟”. قلنا لهم: “نعم”. أنا أقول إن أي عمل مسرحي يجب أن يحمل رسالة، سواء كانت رسالة سياسية، اقتصادية، اجتماعية. يجب أن تصل هذه الرسائل من خلال هذا المنبر الثقافي إلى المسؤول. أنت مرآة للمواطنين، أنت مرآة للشارع، أنت مرآة للناس. هذه المرآة يجب أن توصل هذه الرسائل للمسؤولين من خلال خشبة المسرح. ربما أي رجل بسيط لا يستطيع أن يوصل رسالته للمسؤولين، لكنك من خلال هذا المنبر الثقافي تستطيع أن توصل هذه الرسائل.
المحاور:
هل هناك خطوط حمراء بالنسبة لك؟
الفنان حسين طبيشات:
لا توجد خطوط حمراء. سأقول لك شيئاً. أنا قدمت عملاً مسرحياً أمام جلالة الملك، وكان معي الفنان محمود صايمة رحمه الله. أتذكر النص الذي كان بين أيدينا، عندما دخل سيدنا إلى الخيمة الملكية، جاء أحد الأشخاص وقال لي: “حسين، قل ما تريد”. قلت له: “سيدنا موجود، وهذا النص نحن ملتزمون به”. قال: “هذا رأي سيدنا. سيدنا يريد أن تقولوا ما تريدون”. تخيل! تخيل عندما يعطيك سيدنا الحرية لكي تتحدث وتعبر.
المحاور:
جلالة الملك حسين أم الملك عبد الله؟
الفنان حسين طبيشات:
الملك عبد الله. وكان العرض في الديوان الملكي، داخل الديوان الملكي. فالحمد لله، نحن لدينا حرية سقفها السماء، بصراحة.
المحاور:
واو.
الفنان حسين طبيشات:
وبعد ذلك، نحن كمواطنين أردنيين، يهمنا دائماً أن نوصل رسالة لخدمة بلدنا، خدمة وطننا، خدمة أبنائنا، خدمة أمتنا العربية، خدمة قضايانا العربية. حتى القضايا السياسية، هناك دور كبير جداً على الفنان أن يكون له دور مهم في هذه القضايا.
المحاور:
هل فكرت في يوم من الأيام، أو جاءتك تلك اللحظة التي تأتينا عندما نمرض نفسياً، “أريد أن أترك الكوميديا”؟ هل جاءتك هذه اللحظات؟
الفنان حسين طبيشات:
لا تستطيع. صحيح، لا تستطيع. ذكرتني بأمر. الفنان الكوميدي في داخله شيء… مستحيل. مهما كان، حتى لو كان يقدم عملاً تراجيدياً، لا بد… أنا قدمت في جامعة اليرموك عملاً اسمه “الجرة المحطمة” لهنريش فون كلايست، وكان من إخراج الدكتور غسان حداد. وحدث تحدٍ بين جميع المدرسين على هذا الدكتور، قالوا له: “إما أن تعزمنا أو نعزمك، حسين سيخرج عن النص. سيخرج عن النص حتى لو كانت مسرحية من الأدب العالمي، لا بد أن يخرج عن النص”. والله قدمتها، حتى الجمهور عندما رآني كنت أصلع، كانوا قد ركبوا لي صلعاً، ووجهي مشطوب. وكنت قاضياً، كان دوري قاضياً يحكم في قضية أنا نفسي مرتكب الجريمة فيها. تخيل! عندما خرجت، كان الجمهور يملأ مسرح جامعة اليرموك، وكانوا يعتقدون أنني سأقدم مسرحية كوميدية مثل المسرحيات التي أقدمها، فتفاجأوا بأنني أقدم مسرحية من نوع مختلف. ظللت في المسرحية، والله في منتصفها خرجت الكلمة، خرجت، أردت أن أخرج عن النص، وصلت إلى هنا (يشير إلى حلقه)، ثم عدت، لأنني وعدت الدكتور بأنني لن أخرج عن النص. فبيني وبينك، كنت كأنني مسجون. لا أستطيع.
المحاور:
الممثل الكوميدي، ما قصتكم مع الخروج عن النص؟ حتى في حارتنا الضيقة، كانوا يقولون لك الشباب: “يا رجل، ذبحوني، موتوني، اخرج عن النص!”.
الفنان حسين طبيشات:
انظر، سأقول لك شيئاً. أغلبية الأعمال المسرحية التي تُكتب، تُكتب كأرضية أساسية. صحيح. لكن الفنان هو الذي يضع هذه الأشياء الجميلة، خصوصاً في الكوميديا، الارتجال فيها. لا يصح مع الفنان الكوميدي. لا يوجد أحد يكتب كوميديا. لن أقول لك إن هناك من يكتب، ربما يكتب مواقف، وأنت تركب عليها، لكن الفنان الكوميدي هو الذي يركب، هو الذي يفعل، هو الذي يساوي، هو الذي يضيف، هو الذي يرى أنه هنا يجب أن أقول هذه الكلمة، وهنا يجب أن أفعل هكذا. بصراحة، لا يصح أن تخنقه.
المحاور:
هل برأيك الفنان الكوميدي عليه مسؤولية اجتماعية تجاه قضايا البلد أو القضايا العامة بشكل عام؟
الفنان حسين طبيشات:
أكيد، أكيد. لقد قلت لك قبل قليل، أي فنان، أي فنان عليه مسؤولية. أي فنان يجب أن يحترم ذوق المشاهد أو المستمع. أي فنان يجب أن يقدم في أي عمل يقدمه رسالة يخدم بها قضية ما. أما أن يقدم شيئاً فارغاً، مثلما، معذرة، نرى في وقتنا الحاضر على وسائل التواصل الاجتماعي أشياء، للأسف…
المحاور:
سبحان الله، هذا هو السؤال الذي كنت سأسألك إياه. ما رأيك في الموجة الجديدة؟
الفنان حسين طبيشات:
مع المحتوى… هناك شيء يُحترم، وهناك شيء بصراحة، يجب ضبطه. جعلوني أكره أن أفتح وسائل التواصل الاجتماعي، جعلوني أكره أن أرى فيسبوك. ليس هكذا. هناك أشياء جميلة تُقدم، ولكن هناك أشياء للأسف، حرام. هذه يجب ضبطها. لا يجوز تركهم بهذه الطريقة. لأن هؤلاء يسيئون إلى ذوق الناس. أقول لك، يسيئون لأبنائنا. ابني أو ابنتي دائماً أقول لهم، هذا نعمة من نعم الله إذا استخدمناه بشكل صحيح، وهو نقمة علينا إذا استخدمناه بشكل خاطئ. أليس كذلك؟ لا يجوز، حرام. هذه مسؤولية في عنق كل فنان أو كل مذيع أو كل مقدم. هذا الشيء الذي أمامنا حالياً والذي نقدمه على الهواء، هذا الهواء، هذا الفضاء، هو مسؤولية، هو أمانة. إما أن تكون على قدر هذه المسؤولية وهذه الأمانة، أو رجاءً، لا يغرك المال. والله لا يغرك. أحياناً المال يغري، يقول لك يأتيني مال. يأتيك مال على حساب أشياء كثيرة، معذرة لا أريد أن أقولها. للأسف. فالمال يذهب ويأتي، وبعد ذلك قد يرزقك الله بأشياء يعوضك بها عن هذه الأشياء التي تقدمها.
المحاور:
صحيح، صحيح. كيف الأردن، بما أنك يا أبا عون شاهد على التقدم الفني من 30-40 سنة إلى اليوم، كيف استطاع الفن الأردني أن يحافظ على التزامه مقارنة بالزملاء العرب في المسلسلات التي يقدمونها؟ نادراً ما تجد مشاهد خارجة.
الفنان حسين طبيشات:
سيدي، أيضاً المجتمع يلزمك بهذا الشيء، لأن مجتمعنا الأردني مجتمع محافظ، مجتمع لا يزال محتفظاً بعاداته وتقاليده ويحترمها ويقدرها، ومجتمع عشائري. لا يمكن أن تقدم شيئاً ويقبله هذا المجتمع. أي عمل يسيء لعاداتنا أو تقاليدنا أو ديننا، فوراً يتم إيقافه. إذا لم نوقفه نحن، يوقفه مجلس النواب. إذا لاحظت، مجلس النواب أحياناً يخرج ويقول: “لا، هذا العمل…”، حتى النواب يراقبون الأعمال التلفزيونية أو المسرحية أو غيرها. الصحافة أيضاً لها دور كبير جداً.
المحاور:
هذه المسؤولية… أستاذ حسين، ما رأيك بالمسلسلات التي خرجت عن الإنتاج الرسمي أو حتى عن إنتاج الأردن، مثل التي ظهرت على نتفليكس وغيرها، وكان فيها تجاوزات؟
الفنان حسين طبيشات:
انظر، سأقول لك شيئاً. أنا مع هذه الأعمال التي قُدمت، لي بعض التحفظات، ولكنني مع الأشياء التي قُدمت. لأننا يجب أن نكون صريحين، في مجتمعنا هذا الشيء موجود. طبعاً موجود. موجود في مجتمعنا، ولكننا أحياناً نحاول ألا نظهر أن هذا المجتمع المحافظ وهذا البلد المحافظ على العادات والتقاليد، لا نحاول أن نخرجها خارج إطارنا. لذلك ربما كانت غير مقبولة لبعض الناس وبعض الشرائح في المجتمع. ولكننا كفنانين، يجب أن نكون صريحين، نحن مع هذه الأعمال، ولكن ليس مع بعض الأشياء، بل مع ضبطها.
المحاور:
أستاذ حسين، أنت ابن التلفزيون الأردني وشاهد على محطات كثيرة فيه. من خلال كلامك الذي تفضلت به منذ بداية اللقاء، واضح أن التلفزيون كان ينتج الكثير من الأعمال في السنة. ماذا حدث له اليوم؟
الفنان حسين طبيشات:
ليست قصة أنه ينتج. التلفزيون لا يزال ينتج، وحتى في هذه الأيام، حتى اليوم وقبل أن آتي إلى هذا اللقاء، كان هناك اجتماع في التلفزيون من أجل إنتاج أعمال تلفزيونية ضخمة. حالياً يتم الاستعداد لإنتاج أعمال ضخمة. ولكن التلفزيون الأردني مثله مثل أي مؤسسة أخرى، لديه موازنة ويعمل حسب الموازنة المتاحة له. أكثر من هذه الموازنة لا يستطيع أن يعمل. التلفزيون الأردني، وأنا أواكبه منذ 34 سنة حتى اليوم، ما يُقدم له من موازنات يعمل بها، أكثر من ذلك لا يستطيع، لأكون صريحاً معك. فلا نظلم التلفزيون، بالعكس، التلفزيون يحب أن يخدم الحركة الفنية والثقافية، ويحب أن يخدم الدراما، ويحب أن يخدم الفنانين، ويحب أن يشغل كل الفنانين والمخرجين. أقول لك، أعطه موازنة، وسيظل يعمل 24 ساعة، سيظل يعمل طوال السنة. ولكن أعطه موازنة.
المحاور:
لا خلاف على أنه المؤسسة الوطنية الأم، المربية الأم في الصحافة والإعلام، وهي التي خرّجت الكثير، سواء فنيين، مخرجين، معدّين، ولها كل الاحترام والتقدير.
الفنان حسين طبيشات:
هذه المؤسسة، بصراحة والله، ليست مجاملة وليست نفاقاً، والله هذه المؤسسة مظلومة. أحياناً يظلمونها لأنهم لا يعرفون ظروف هذه المؤسسة. هذه المؤسسة تبذل كل جهدها من أجل أن تقدم الأجمل، ولكن المؤسسة موازنتها محدودة. أنا الآن أنظر إلى المؤسسات الأخرى في الخليج، عندما تقدم عملاً تلفزيونياً، ميزانيته… “إم بي سي” على سبيل المثال، العام الماضي مسلسل “معاوية”، كم كانت موازنته؟
المحاور:
70 مليون دولار.
الفنان حسين طبيشات:
صحيح، 70 مليون دولار، الذي أُنتج في تونس. طيب، التلفزيون الأردني، ما هي الموازنة التي تُقدم له حتى يقدم؟ حاول قدر الإمكان أن يخدم الحركة الفنية والثقافية من خلال الموازنة التي تُقدم له. حتى أحياناً يأخذ قليلاً من بعض الموازنات المخصصة للأجهزة أو الإضاءة ويضيفها للإنتاج.
المحاور:
كيف علاقتك مع جمهورك؟ هل هناك موقف تتذكره مع أحدهم، موقف محرج مثلاً؟
الفنان حسين طبيشات:
لا، بالعكس، علاقة جميلة جداً. أينما أذهب وأينما آتي، دائماً يسألونني: “ما الجديد؟ ماذا فعلت؟ أين أنت غائب؟”. علاقة رائعة جداً. ولكن، هي نفس ملاحظة أي فنان، أحياناً تكون في المستشفى أو في مكان… “يا عمي، لا يصح”. خصوصاً الذي يأتي ويطلب صورة وأنت تأكل مثلاً. والله عادي، أنا بصراحة صدري رحب. والله، لولا أنه يحبك لما طلب صورة، ولولا أنه يحبك لما جاء وتحدث معك. انظر، لأكون صريحاً معك، على وسائل التواصل الاجتماعي أو غيرها، أنا لي موقف، أو لا أحبذ الناس الذين ينتقدون فقط من أجل الانتقاد، أو يحاولون الإساءة فقط من أجل الإساءة. أقول لك، شعرت أن هناك أناساً أساءوا لعمل من الأعمال، ليس إساءة، بل… الكثير من الناس تحدثوا بشكل جميل، لكن شخصاً واحداً تحدث، والله أتحدى إذا كان قد شاهد حلقة واحدة، لأنه لو شاهد حلقة لتغير رأيه بالكامل. لأن العمل الذي كان يُقدم كان يقدم أعمالاً إنسانية. طيب، أنا عندما أقدم حلقة عن عامل الوطن وأهميته وكيفية احترامه وتقديره، وأتحدث عنه بأجمل الكلمات، أن هذا الإنسان يجب أن نحترمه ونقدره وندعمه. هذه رسالة مهمة جداً. طيب، أنت الذي تأتي وتنتقد، هل شاهدت هذه الحلقات؟ هل شاهدت الحلقات الأخرى عندما أتحدث عن قضايا كثيرة تهم مجتمعنا ونقدم في النهاية رسالة جميلة جداً؟ وهو لم يشاهد، لم يشاهد العمل ولا حلقة واحدة، وينشر أن الأعمال كلها… ليس هكذا. والله لا يجوز، لأننا يجب أن نحب بعضنا البعض. هنا في الأردن، أنا مرة قلتها لأحد زملائنا الصحفيين، نحن في الأردن يجب أن نحب بعضنا كفنانين وصحفيين وإعلاميين، يجب أن نرفع بعضنا، لا أن نكسر أجنحة بعضنا. يجب أن أرفع. أرى شاباً جميلاً، لديه قدرات، المفروض أن أدعمه، يجب أن أرفعه، لا أن أكسر جناحه. أرى فلان معد برامج أو مقدم برامج جميل، لا أكسر جناحه، بالعكس، يجب أن أدعمه وأقدم له. لماذا في مصر أو غيرها، تجد فناناً ليس بذلك المستوى ولكنهم يرفعونه بطريقة لا تصدق من أجل تسويق فنهم ويقولون: “نحن…”. يجب أن نكون هكذا، يجب أن نحب بعضنا. حسناً، العمل الذي يكون سيئاً، انقده، لا مانع، ولكن لا تجرح.
المحاور:
شكراً. هناك معلومة عن الأستاذ حسين الناس لا يعرفونها، هذا رجل وفيّ جداً.
الفنان حسين طبيشات:
تعبت من هذا الموضوع.
المحاور:
لا، بالعكس، هذه رسالة كبيرة.
الفنان حسين طبيشات:
لا والله ما تعبت، بالعكس. أنا أقول كل إنسان، الله هكذا خلقه، لديه رسالة يجب أن يقدمها، طبيعته البشرية هكذا أعطاها الله إياها. لا يستطيع أن يكون غير ذلك، يحيد هنا ويعرف كيف يعود.
المحاور:
يا أبي، علاء، هذه الإجابة الدبلوماسية نسميها. حسناً يا سيدي، الحمد لله. سؤال، أنت عضو في نقابة الفنانين، ولكن لست في المجلس، أليس كذلك؟ كنت في يوم من الأيام.
الفنان حسين طبيشات:
كنت في لحظة، صحيح.
المحاور:
ممتاز. سؤالي اليوم، أولاً، في الخلاف الكبير حول موضوع الانتساب إلى النقابة. نقابة الفنانين والصحفيين يشتركون في هذه القصة، أن اليوم مثلاً خريج صحافة وإعلام هو ليس عضو نقابة الصحفيين إلا بعد أن يثبت قدرته، يسمونها نقابات مهنية وليست…
الفنان حسين طبيشات:
لا أعتقد أن الخريج كذلك، لأن نقابة الفنانين الأردنيين، أي خريج مسرح أو تلفزيون أو إخراج يتم انتسابه فوراً للنقابة بشكل افتراضي (by default)، الخريج الحاصل على البكالوريوس فوراً. أما العامل، فهناك شباب وشابات أثبتوا قدراتهم الفنية الرائعة وأثبتوا قدراتهم على الساحة الفنية بشكل كبير جداً، وهنا يشترطون عليهم أنه يجب أن يكون قد قدم 15 عملاً تلفزيونياً أو 10 أعمال. طيب، شخص يحب أن ينتسب، يحب المهنة وهو مهندس.
المحاور:
أنا معك.
الفنان حسين طبيشات:
حتى لو كان طبيب أسنان أو مهندساً أو غير ذلك. أنا معك، وأنادي من خلال هذا المنبر معك لنقابة الفنانين الأردنيين أن يحتضنوا هذه القامات الفنية الجميلة الرائعة التي أثبتت قدرتها على الساحة الفنية. هؤلاء يجب بأي طريقة أن يضموهم للنقابة، لأنهم مكسب لنقابة الفنانين الأردنيين، خاصة الشباب والشابات. لأنني أرى الكثير من الطاقات الفنية الرائعة غير منتسبة لنقابة الفنانين، بالعكس، هؤلاء مكسب للنقابة، سواء كانوا يعملون في الإخراج أو التمثيل أو الموسيقى. رغم أن النقابة أدخلت الكثير من الزملاء الذين لم يكونوا يحملون شهادة بكالوريوس ولكنهم أثبتوا جدارتهم. ولكن أتمنى ألا تتركهم النقابة. هذا ندائي لهم، ألا يتركوهم لفترة طويلة حتى يقدموا عدداً كبيراً من الأعمال. لا، بالعكس، حالياً بما أنهم لا يزالون مثل العجينة، تستطيع أن تشكلهم كما تريد. أحضروهم وتبنوهم كنقابة لدعمهم في كل الساحات في الوطن أو خارجه.
المحاور:
أستاذ حسين، ما هو دور النقابة اليوم مع الفنانين الذين للأسف كبروا في السن ووصلوا سن التقاعد؟ وحضرتك تعرف وأنا أعرف أن هناك اليوم أناساً كباراً في الفن، خصوصاً الممثلين، وضعهم المادي سيء وحالتهم التقاعدية سيئة. ألا تشعر أن هناك دوراً على النقابة؟
الفنان حسين طبيشات:
انظر يا شريف، سأكون صريحاً، لا أخفي عليك ولا على جمهورنا أي شيء. كل النقابات تعاني من ظروف مادية صعبة جداً، وبعض النقابات، بدون ذكر أسماء، أوقفت التقاعدات للناس المتقاعدين لديها. نقابة الفنانين الأردنيين حتى هذه اللحظة، رغم الظروف المادية الصعبة جداً لديها… لماذا ظروفها المادية صعبة؟ لأن نقابة الفنانين مر عليها سنتان كاملتان من جائحة كورونا، ومرت عليها ظروف سياسية صعبة أيضاً حتى اليوم، لأن الحفلات تقريباً خفت كثيراً، المهرجانات خفت كثيراً. دخل النقابة يأتي من هذه الفعاليات، وهذا كله كان يضخ في صندوق النقابة. صندوق النقابة عانى كثيراً من ظروف مادية صعبة جداً، ولكن حتى هذه اللحظة، صندوق النقابة يصرف التقاعد ولم يتوقف، رغم الظروف الصعبة جداً وأنا مطلع عليها لأنني كنت في المجلس. النقابة تحاول قدر الإمكان أن تفتح قنوات مع الوزارات والمؤسسات لتشغيل أكبر عدد ممكن من الفنانين. النقابة تحاول، ولكن والله الظروف صعبة. عندما تنتج عملين أو ثلاثة أعمال درامية في السنة تلفزيونياً، ماذا سيفعل الفنان الأردني؟ إذا شغلته في عملين، وبقية السنة ماذا سيفعل إذا كان يعتمد فقط على الأعمال الدرامية؟ الفنانون الكبار والقامات، ماذا سيفعلون؟ هذا واحد. ثانياً، المطرب إذا لم تكن هناك مهرجانات وحفلات، ماذا سيفعل؟ لا شيء. النقابة إذا لم يكن هناك دعم من الوزارات والقطاع الخاص… أنا أقول هناك دور أيضاً على القطاع الخاص، يجب جذب القطاع الخاص واستثماره وإشراكه مع نقابة الفنانين.
المحاور:
ما الفرق بيننا وبين نقابة الفنانين في مصر مثلاً؟ لماذا في مصر لا يستطيع ممثل أن يقف أمام كاميرا بدون كارنيه النقابة؟ هنا لدينا نجوم اليوم، نجوم على الشاشة وصف أول، شباب، وليسوا أعضاء في النقابة.
الفنان حسين طبيشات:
صحيح، يعملون. لا يوجد قانون يمكن أن يمنعهم. أنت منتج، هذه أموالك وأنت تنتج بها، أنا حر في أن أحضر من أريد. ولكن الآن هناك شروط. النقابة لديها ضوابط، ولكن أنت كمنتج، كمستثمر، تستثمر أموالك. النقابة تشترط عليك أن يكون ثلثا العمل مثلاً من أعضاء النقابة، والباقي يمكن ألا يكونوا أعضاء. هذا واحد. ثانياً، أنت لكي تسوق عملك، قد تحضر فنانين من خارج الأردن، من مصر، من الخليج، من سوريا، من لبنان. تحضرهم لكي تستطيع تسويق عملك. لأنك عندما تدفع 200 ألف أو 300 ألف أو نصف مليون دينار على عمل، تريد أن تسوقه. طيب، اشترى منك التلفزيون الأردني، اشترت منك رؤيا، لا يوجد لدينا محطات كثيرة تشتري. عمان تي في قد تشتري، ولكن حتى لو اشتروا، لا يستطيعون تعويضك عن المبلغ الذي دفعته إذا لم يكن هناك تسويق خارج الأردن، وخاصة في الخليج. لأن الخليج، على سبيل المثال، الساعة التلفزيونية بـ 6000 دينار مثلاً. إذا كان فيها ممثل من الدرجة الأولى خليجي وأخذ دور بطولة، بدل أن أشتريه منك بـ 6000، أشتريه منك بـ 18000. ثلاثة أضعاف. نعم. هكذا يدعمون فنانيهم الآن، يدعمون مسرحهم وحركتهم الفنية والثقافية. الأمور المادية لها دور كبير جداً في تنشيط الحركة الفنية والثقافية.
المحاور:
إذاً، يجب أن يأتي دعم من الحكومة بالدرجة الأولى.
الفنان حسين طبيشات:
بالدرجة الأولى، يجب أن يكون هناك اهتمام من الدولة بالحركة الفنية والثقافية. وزارة الثقافة، اذهب إلى وزارة الثقافة، ميزانيتها أيضاً ضعيفة جداً مقارنة بوزارات الثقافة خارج الأردن. وزارة الثقافة تقيم بعض المهرجانات، ثم تقول لك انتهت الموازنة. الحال هكذا يا صديقي شريف، هذا هو الموجود.
المحاور:
أبو عون، ما هي الخطط المستقبلية التي تحضرها؟ ما الجديد؟ الناس لا يعرفون أننا في هذه الأيام نبدأ التحضير لرمضان.
الفنان حسين طبيشات:
نعم، صحيح. إن شاء الله ربنا يعطينا الصحة، يا رب يطيل في عمرك. هذا أولاً. ثانياً، أنا حالياً أقدم عملاً مسرحياً جديداً اسمه “أصايل في الزمن المايل”. حالياً أقدمه، وقدمت مجموعة من العروض، والآن لدي جولة في أغلب محافظات المملكة بهذه المسرحية. تلفزيونياً، خرجنا للتو من رمضان. حتى اليوم سبحان الله، تحدثت مع الكاتب ليبدأ في تجهيز بعض الأفكار.
المحاور:
في مسلسل “مجمع السعادة”، أعدت تشكيل العم غافل، حدثنا عن هذه التجربة.
الفنان حسين طبيشات:
تجربة جميلة أيضاً، “مجمع السعادة”، وكان معنا مجموعة كبيرة من الفنانين الرائعين. كان هناك أيضاً عمل “صدفة”. بصراحة، حتى اليوم يسألونني عنه. الفكرة كانت رائعة وجميلة جداً. تمنيت أن يُبنى عليها، لأن الفكرة كانت خطيرة وليست سهلة، “البشواتية” والأجواء. والله حتى اليوم يسألونني عن هذا العمل.
المحاور:
ما هو الشيء الذي تتمنى أن تقدمه ولم تستطع حتى اليوم؟
الفنان حسين طبيشات:
لا أعرف، قدمت كل شيء، الحمد لله.
المحاور:
المسرحية التي تحدثت عنها وأنت في جامعة اليرموك، التي كانت جادة…
الفنان حسين طبيشات:
نعم، “الجرة المحطمة”.
المحاور:
هل يمكن أن نرى شيئاً كهذا؟
الفنان حسين طبيشات:
قدمناها في العراق على المسرح الوطني. كما قلت لك، أول ما ظهرت للجمهور، كان المسرح مطفأ بالكامل، بقعة ضوء حمراء فقط في نصف المسرح (spot) عليّ وأنا موجود، فُتحت الستارة وأنا في نصف المسرح ولكن أعطي ظهري للجمهور. هم يعرفون أن شعري كان كثيفاً في ذلك الوقت. أيام الشباب.
المحاور:
ما زلت شاباً.
الفنان حسين طبيشات:
كان عمري 19 أو 20 سنة. المهم، استدرت نحو الجمهور، فتفاجأوا. لم يعتادوا عليّ هكذا. فقلت: “لا يحتاج الإنسان لكي تزل قدماه إلا إلى قدمين. هل هناك فوق هذه الأرضية الملساء شيء يمكن أن يرتطم به الإنسان فيزل؟ ومع ذلك، فقد زلت قدماي”. هذا كان أول حوار.
المحاور:
دقيقة، هذه إشارة يفهمها المونتيرون، هذا درس مدته 20 ثانية في التمثيل. ما شاء الله. نريد أن نراك في شيء جاد كهذا. هذا سؤالي التالي، لماذا فنانون كبار، صف أول، وأنت صف أول، نجم، الأردن تفتخر بك، لماذا لا نراكم في المسرح الجاد تبع المهرجانات؟ هذا السؤال لك ولجميع نجوم العرب.
الفنان حسين طبيشات:
أنا أحترم وأقدر هذه الأعمال التي تُقدم في المهرجانات. عُرض عليّ من إخواننا في المسرح الحر، قالوا لي، وخاصة زميلتنا أختنا مرام أبو الهيجا، تقول لي: “حسين، يجب أن أعمل أنا وأنت عملاً مسرحياً جاداً، أنت غير طبيعي”. فقلت لها: “إن شاء الله”. انظر، المسرح الجاد متعب وليس سهلاً. تبذل فيه جهداً كبيراً، ولكن لي رأي فيه منذ أيام جامعة اليرموك وأنا طالب. إخواننا الفنانون رائعون وقامات كبيرة، ويقدمون عملاً ويقضون أربعة أو خمسة أو ستة أشهر وهم يجرون بروفات ويحفظون نصوصاً ويجهزون إضاءة وموسيقى، وللأسف يعرضون أربعة أو خمسة عروض وينتهي العمل. حرام. هذه الأعمال إذا كانت ستقدم فقط في هذه المهرجانات أو في ستة أو عشرة عروض، على الأقل يجب أن تُصور وتُقدم على شاشات التلفزيون أو تُعرض على وسائل التواصل الاجتماعي. هذه أعمال مهمة وجميلة ورائعة. ليس لدي مانع أن أقدم أعمالاً مسرحية كهذه، ولكن إذا كان هناك نص جيد. بصراحة، التعب كبير والعائد قليل.
المحاور:
سيدي، في حياتك الشخصية، هل هناك موقف أثر فيك وكاد أن يؤثر على حياتك ومسيرتك الفنية؟
الفنان حسين طبيشات:
هناك مواقف كثيرة، ولكن ليس من الضروري أن نتحدث عنها.
المحاور:
شيء خاص إذن.
الفنان حسين طبيشات:
نعم، خاص. أما أن يؤثر على مسيرتي الفنية، فلا، الحمد لله. ولكن الإنسان دائماً، الحياة هكذا، وإلا لما سُميت حياة. الحياة فيها الصعوبة والسهل، والإيجابية والسلبية. ونحن أحياناً نخطئ أيضاً، الإنسان ليس معصوماً عن الخطأ. ولكن الله قال “تسامحوا”. أنا في حياتي لم أحمل على إنسان، ولو كان مخطئاً معي، شعرة واحدة. الحمد لله، هذا من فضل الله. لذلك أضع رأسي وأنام مرتاحاً. لم أحمل على أي إنسان حتى لو كان مخطئاً بحقي. أسامح.
المحاور:
الشهرة أثرت بالتأكيد. وتأتيك لحظات تقول “أريد أن أجلس في هذا المقهى ولا يسلم عليّ أحد”.
الفنان حسين طبيشات:
أنا أحياناً أهرب. ليس من المقهى، بل أهرب وأذهب إلى جبل، إلى مزرعة لدي، أجلس فيها وأرتاح وحدي. ولكن كما قلت في البداية، حتى لو ذهبت إلى مقهى أو مطعم، والناس جاءوا وتصوروا معك وجلسوا معك وتحدثوا ومازحوك، فهذا لأنهم يحبونك. وأنا بالعكس، أحب كل هؤلاء الناس، لم أتضايق من أحد قط.
المحاور:
لو عاد بك الزمن إلى الوراء، هل تختار نفس الطريق الفني؟ أم مثل حلمنا ونحن صغار؟
الفنان حسين طبيشات:
لا، لأكون صريحاً معك، أنا قبل أن أدخل الوسط الفني، كنت منذ عمري خمس أو ست سنوات وأنا أعشق الفن، وظللت أعشق الفن وأمارس المسرح حتى تخرجت من الجامعة. عُرضت عليّ مهنتان أو أكثر من وظيفة، ولكن إذا أراد الله لك شيئاً، فسيحدث. والله، وظيفة من الوظائف، جهزت كل شيء وكان من المفترض أن ألتحق بها في صباح اليوم التالي.
المحاور:
ماذا كانت المهنة؟
الفنان حسين طبيشات:
انسَ الموضوع. كان يجب أن ألتحق بها. (من كلمة “ألتحق” فهمنا). جاءني هاتف في نفس الليلة: “حسين، التلفزيون الأردني يريدك”. فذهبت إلى التلفزيون، وما زلت في مؤسسة الإذاعة والتلفزيون، وأفتخر بأنني عنصر من عناصر هذه المؤسسة منذ 34 سنة.
المحاور:
ما شاء الله.
الفنان حسين طبيشات:
لا، 33 سنة لأكون دقيقاً. ما شاء الله. هناك علاقة وجدانية بيني وبين المؤسسة. أعشقها، هذا بيتي الثاني. مؤسسة جميلة ورائعة. حتى الحديقة التي فيها جميلة. عملوا جلسات في الحديقة، صار الواحد يجلس ويتذكر ذكريات 30-35 سنة مع زملائه وإخوانه.
المحاور:
لو كنت اليوم في منصب، وأنت لا تحب المناصب…
الفنان حسين طبيشات:
الحمد لله، مع احترامي للجميع.
المحاور:
بالتأكيد. ولكن سأسأل، هما آخر سؤالين. لو كنت اليوم في منصب يتعلق بالسينما أو الفن أو التلفزيون، ما هو أهم قرار يمكن أن تتخذه، قرار يشعر الممارس للمهنة فعلياً أن هناك شيئاً تغير خلال شهرين؟
الفنان حسين طبيشات:
انظر، أهم أمرين يجب على أي مسؤول أن يبذل كل جهده من أجلهما: أولاً، أن يجعل حكومتنا تدعم الحركة الفنية والثقافية من الناحية المادية، هذا مهم جداً. والخطوة الثانية، فتح قنوات مع كل القطاع الخاص ومع القنوات العربية خارج الأردن. هاتان نقطتان مهمتان. ولكن بالدرجة الأولى يا صديقي، لأكون صريحاً معك، يجب أن يكون هناك اهتمام من الدولة بالحركة الفنية والثقافية. منذ 30 سنة حتى اليوم، نفس المستوى من بعد التسعينيات. 33 سنة. أنا لا أتحدث عن مؤسسة الإذاعة والتلفزيون، بل عن الحركة الفنية والثقافية، المسرح والتلفزيون. لا يجوز. يجب أن يتطور هذا الشيء، يجب أن يكون هناك دعم أكبر، بلدنا يستحق.
المحاور:
صحيح، ولدينا طاقات.
الفنان حسين طبيشات:
لدينا طاقات فنية رائعة جداً أثبتت قدراتها خارج الأردن وداخله. صحيح.
المحاور:
أختم معك بهذا السؤال الذي أختم به دائماً مع كل ضيوفي، ولكن اليوم سيكون استثنائياً قليلاً. هذه كاميرتك، وأريدك أن تتخيل ثلاثة شباب، شابين وفتاة أو فتاتين وشاب، أعمارهم بين 14 و 16 سنة، وأنا منهم، ويريدون دخول مجال التمثيل، خصوصاً في بلدنا، ويريدون أن يسمعوا رأيك في دقيقة أو دقيقتين.
الفنان حسين طبيشات:
(ينظر إلى الكاميرا) لأكون صريحاً معكم، هذا السؤال مرّ عليّ من شباب وشابات يرغبون في دخول هذا المجال. وكانت نصيحتي لهم أن هذا مجال جميل ورائع وراقٍ ومهم، ولكنني دائماً أنصحهم نصيحة واحدة: يجب أن يكون لديهم دخل ثابت، وأن يمارسوا هذه المهنة أو هذه الهواية إلى جانب وظيفتهم. قد يكون مدرساً، أو طبيباً، أو أياً كان. يجب أن يكون هناك دخل ثابت حتى يستطيع هذا الفنان الوقوف على قدميه، حفاظاً على كرامته، وحفاظاً عليه من أجل أن يستمر. هذا الفن شيء جميل، وله رسالة رائعة جداً. ولكن، من أجل الحفاظ على مستقبل هذا الإنسان، يجب أن يكون هناك دخل آخر له.
المحاور:
نورتني يا عزيزي، شكراً لك ولوقتك، الله يعطيك ألف عافية.
الفنان حسين طبيشات:
الله يسلمك.
المحاور:
إذاً أعزائي، وصلنا إلى نهاية الحلقة. لا تنسوا أن تشاركوا وتعجبوا وتشتركوا (share, like, subscribe) على منصة “جزيل”. وأهلاً وسهلاً بكم في “ضيف شريف”. يعطيكم العافية.